كتاب الرائ

الحرب في ثقافة الشعوب

■ محمد ابوالقاسم الككلي

الحرب في ثقافة الشعوب

■ محمد ابوالقاسم الككلي

نواصل حديثنا عن الحرب في الأساطير بالقول إنه إذا كانت الميثولوجيا الصينية تعد أكثر ميلا للسلام, والبوذية أكثر معارضة للحرب, فإن الهند البرهمية تتميز بسمة حربية كبيرة حيث لا يوجد في كتبهم المقدسة إلا المعارك بين الأرباب والربات والشياطين والجان, التي يشارك فيها في بعض الأحيان الناس والقردة والأفاعي وحيوانات أخرى ‘
ويفيض كتاب (الفيداس) برواية تلك الأساطير ويخصص معظم أشعار الملاحم الضخمة مثل (الرمايانا) لحكاية تلك الحفلات الدينية التي توصف المعارك, وتكتسي المعابد الهندية بأشكال بارزة تمثل تلك الصراعات وإن الأرباب (اندرا) و (ميترا) و (فارونا ) ثم (براهما ) و ( فسنو) و(سيفا) والربة ( كالي) يتصارعون في صخب فوق عرباتهم الحربية ‘
أما الميثولوجيا الاغريقية فهي تعرض لنا (زيوس) والأرباب الذين يحاربون التيتان والمردة و (تيفا) ونرى (كرونوس) يناضل ضد (افيوني) ويحيط بالاله (مارس) آله الفرقة والخوف والفزع, ويبدو (بالاس) في دروعه متسلحا بالحربة والترس, و(ابولو) وهو يحمل سهامه القاتلة ‘
ولعله من الأمور المألوفة في جميع الحضارات القديمة المعروفة أن تقديم الأضاحي باسراف للآلهة قبل خوض المعارك وبعد تحقيق النصر, إما بذبح الأسرى, وإما بترك نصيب من الغنائم للمعابد, وعند الأشوريين والمصريين والازتيك كان الأسرى يذبحون بالآلاف وسط سحب من البخور ‘
وترتبط فكرة تقديم الأضاحي للآلهة أحيانا بالطقوس الجنائزية المتوقعة ‘فالموت المتوقع للمحاربين يأخذ صورة ما قبل الموت ويحتفل به مقدما من أجل تمجيدهم, ويضاف إلى ذلك غالبا طقوس أخرى مثل الدعوة والتطهر التي تتم لإعداد المقاتلين للحرب ‘
هذه الطقوس التي تسبق المعركة مارسها اليابانيون خلال حرب 1940 م وتتلخص في أن الطيارين الشبان المتطوعين لقيادة الطائرات الانتحارية (كاميكازي) حضروا مساء رحيلهم مأدبة جنائزية وكانوا يرتدون ثيابا بيضاء وهو لون الحداد عندهم, فهم على هذا الوجه يتجردون بصورة رمزية من كل متاع الدنيا, ,ثم تسلم لكل منهم على أرض المطار علبة بيضاء صغيرة تمثل الإناء المفترض انه يحفظ رماد أجسامهم بعد موتهم ‘.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى