كتاب الرائ

مرض النسيان

د.علي المبروك ابوقرين

نسينا  وعد بلفور وتقسيم سياكس بيكو والعرب تحت السلطة العثمانية ، ونسينا التبعية والقواعد الأجنبية ، ونسينا  تاريخ الغرب وما ارتكبه من الجرائم والحروب والاستعمار ونهب الثروات ، وما ارتكبوه من مجازر وإبادة وتطهير عرقي في شعوب كثيرة ، ونسينا  ما فعله الاستعمار في العرب من جرائم إبادة جماعيه وتطهير عرقي ومعتقلات وتهجير ونفي ، وأستفحل  المرض عند البعض حيث لازالوا يتفاخرون  بالاستعمار وسنينه السودة ، ويتحسرون  على أيامه البغيضة ، ولا زالوا بتكلمون  بمفرداته في حديثهم ولهجاتهم ، ولا زالت بلدان كثيرة تحتفظ بأسماء ميادين وقرى وشوارع ومقار بنفس اسماء المستعمر ، وتتصدر المحلات والمتاجر والشركات يفط بلغات واسماء أجنبية ( مرض آخر خطير ) ، ومن لا يفعل ذلك يُنعت بأنه جاهل ومتخلف حضاريًا ، ونسينا مناهجنا وعلومنا ولغتنا العربية الجميلة واستوردنا ما لديهم ما يذهب العقل والشيرة ، ونسينا عندما باعوا لنا الأوهام وضحكوا علينا بشعارات الحرية والديموقراطية والقوانين الدولية الإنسانية ، والنظريات الاقتصادية والأسواق الحرة ، ومشورة وتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، ونسينا أننا دمرنا التعليم الذي محى من مجتمعاتنا الأمية والجهل وكان متاح لكل الناس والزامي على جميع الناس ، وأستبدلنا جامعاتنا العريقة التي سبقت الغرب بالف عام بجامعاتهم ، وسلعنا التعليم وغربنا وفرنجنا حتى رياض الاطفال ، ودمرنا بايدينا الصحة التي بنيناها ووصلت خدماتها المجانية الى أقصى النجوع بعد ما حرمنا منها الاستعمار لعقود طويلة ، وصارت الآن  سلعة للتربح والسمسرة ، وتعددت الأمراض والأوبئة ، وصرنا سوق مفتوح للمتاجرة في صحتنا والتربح من أمراضنا لارضاء الغرب وتطبيق نظرياته واساليبه وتأمينه وأنظمته اللانسانية ، وأنهينا الزراعة التي على الأقل  كانت تحقق الاكتفاء في الأساسيات وصرنا نستورد كل شئ ، والصناعة التي تقدمت في بعض الدول العربية سرعان ما تحولت لسلع استهلاكية ضارة بالصحة والبيئة ، وركضنا وراء سراب الاقتصاد الوهمي الاستهلاكي ونظرياتهم الاقتصادية المدمرة للمجتمعات ، وياليته  اقتصاد نافع أو مفيد أو  له قيمة مضافة عدا التحول لمسخ وسلب الأموال ، والقضاء على الطبقة الوسطى وتشويه نمط الحياة ، ونسينا  عندما اقنعونا بالعولمة وحولنا بيوتنا لمقاهي ومطاعم ومحلات  ، وشوارعنا مضاءة بعلامات تجارية أجنبية نتباهى بارتيادها وارتدائها ، ونأكل سمومهم وندفع لخزائنهم  ونموت بسموم مأكولاتهم أو  بسلاحهم الممولين منا ، ونسينا عندما أرتمينا في فخاخ الشراكة والاستشارات الدولية ، والمنظمات المخصصة لذهاب الشيرة والقضاء على القيم والاخلاق والمبادئ  العربية والاسلامية ، والاسترشاد بتقاريرهم وتوجيهاتهم المفبركة ، ونسينا  عندما اشترينا بأموالنا ونفطنا كل ما يُسهل بيعنا ، وضربنا الحماية الاجتماعية في مقتل ، وتتنامى الطبقية حتى بين الأخوة ، ورضخنا تحت سلطة المال والمصالح وعلا شأن الفاسد والطالح ، وطنشنا على تغلغل الغرب  فينا ثقافيا وفكريًا وأيديولوجيا ، وصرنا نجلد أنفسنا  بسياطهم وهم يزرعوا بيننا الفتن والصراعات ونلجئ لهم راكضين كأنهم أهل الحكمة والحل والعقد وأولياء الله الصالحين ، وهم يسعدوا كل ما زدنا غرقاً في وحلهم ، أمرونا بتدمير مدننا وبلداننا وقتل وتهجير بعضنا وفعلنا ، ونسينا أو تناسينا أننا نتمتع بأهم موقع جيوسياسي في العالم نتصدر الشمال الأفريقي كله ، ونطل على أهم البحار والمحيطات والمنافذ البحرية ، ولدينا أكبر مخزون نفطي وغازي في ألعالم ، وشعوبنا شابة قابلة لأن تكون قوى بشرية هائلة منتجة في جميع المجالات ، وأن نتحول لقوة إقتصادية كبيرة ، ومنارات علمية لكل شعوب الأرض كما كنا ،

وللأسف نسينا  كل شئ حتى قضيتنا العربية إلى أن شاهدنا ما يحدث لغزة ولكل أهلنا في فلسطين ، والذين يُقصفوا على المباشر ، وتدمر المساكن ودور العبادة والمدارس والملاجئ على رؤوس ساكنيها المدنيين الأبرياء ، وتقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية والهلال الأحمر وفرق الإنقاذ ، ويموت أمام أعيوننا الجميع الطبيب وعائلته والمسعف وأهله والجرحى والمرضى ،

وتناسينا أو انسونا اننا من هزم الروم والتتار والمغول وكل الغزاة وذهبوا للجحيم وبقينا على أرضنا ،  وتناسينا  اننا من علمهم الطب والفلك والرياضيات والعلوم والمعرفة والحضارة ….

وفي غزة يولد جيل جديد لن ينسى من جيل شهيد لم ينسى ..

       .واغزاه واغزاه 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى