غير مصنف

صحتي حقي

د. علي المبروك ابوقرين

في السابع من أبريل من كل عام تحتفل منظمة الصحة العالمية بعيد تأسيسها في نفس التاريخ من سنة 1948 ، وأختارت المنظمة لهذا العام شعار صحتي حقي ، ومنذ تأسيس منظمة الصحة العالمية وهي ترفع شعار الصحة حق لجميع الناس دون تمييز وليست ترفًا ، وتُعرف الصحة بأنها حالة من الرفاه البدني والعقلي والاجتماعي الكامل ، وليس غياب المرض أو العجز ، والصحة هي الحالة التي تسمح للفرد بالتعامل بشكل كاف مع جميع متطلبات الحياة اليومية ، وهي السعادة والانبساط والانشراح والراحة التامة ، والطعام الجيد والنوم الكافي ، والأمان والوعي الذاتي والثقة بالنفس ، والمفروض أن الدساتير والتشريعات والقوانين تضمن كل ذلك ، ولكن ليبيا من الدول الكثيرة التي لم يتحقق لمجتمعها  هذا الحق لقرون وعقود طويلة من العهد العثماني الأول والتاني حيث كانت الخدمات الصحية معدومة إلا من بعض المحاجر ( العزل ) البسيطة المتواضعة عند أنتشار الاوبئة والأمراض المعدية ، أو عدد قليل جدا من المستشفيات العسكرية صغيرة الحجم والمتواضعة في الخدمات الصحية ، وقبل الاحتلال الايطالي أُنشئت بعض المستوصفات والمستشفيات الأجنبية الصغيرة جدا في طرابلس وبنغازي والخمس ومرزق ، باسم المستشفيات الأجنبية المسيحية ، يديرها راهبات ومبشرين ويستفيد من خدماتها الجاليات الأجنبية وعدد بسيط جدًا من الأهالي المواطنين الذين كانوا في معظمهم يعتمدوا على العلاجات التقليدية والتداوي بالأعشاب ، وتعرضت ليبيا لموجات من إنتشار الجدري والحصبة والكوليرا وغيرها التي قضت على أعداد  كبيرة من الناس ، وليبيا كانت من الدول الفقيرة جدًا  وعانت من الجهل والمجاعات ، وتحسنت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمات الصحية بعد النفط والغاز ، ولكن الصراعات والحروب التي تعرضت لها ليبيا من عقد ويزيد ، ومن بعدها الجوائح ( الكورونا ومتحوراتها والتي لازالت مستمرة ) ، والكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية زادت من الأزمات الصحية ، وتدهور الخدمات الصحية وارتفعت معدلات المرض والفقر ، وتفاقمت الضغوط النفسية على المجتمع مع التذبذب الاقتصادي وتغير الأوضاع المعيشية وإنهيار القطاع الصحي الحكومي ، وزيادة الإنفاق على الخدمات الصحية من الجيب في الداخل والخارج مما قضى على مدخرات معظم الناس ، وحيث أن منظمة الصحة العالمية تنادي منذ تأسيسها بالحق في الصحة وهي تعلم أن  أكثر  من 3.5 مليار نسمة من سكان العالم محرومون من الخدمات الصحية الأساسية ، أي أكثر  من نصف سكان الأرض ، ومعظم النصف الباقي غير قادر على تحمل تكاليف الخدمات الصحية ، ولا يستطيع الحصول عليها أو  الوصول إليها  ، وليبيا الآن من ضمن النصف الأول المحروم من الخدمات الأساسية كما يجب أن تكون ، أي خدمات صحية فعالة ومنصفة وبجودة عالية ، ومعظم الناس غير قادرة على تحمل نفقات الخدمات الصحية من الجيب في ظل فوضى الأسعار وتدني الخدمات في الداخل ، أو الخارج التي يلجأ اليها معظم المرضى مجبرين ، مع تراجع منظومة الحماية الاجتماعية وعدم القدرة الفردية والأسرية للحصول على المحددات الاجتماعية ( السكن الصحي في البيئة المعيشية الصحية والعمل المرضي والتعليم الجيد المتقدم ) ، والمحددات الصحية ( نظام صحي قوي كفؤ وفعال ومنصف ومتماسك ومتكامل وآمن ويحقق التغطية الصحية الشاملة بجودة عالية ) ومع تزايد المخاطر والتهديدات الصحية كالتعرض لموجات أخرى  من الأوبئة والأمراض المعدية مثل السل والحصبة والأمراض المشتركة مع الطيور والحيوانات ، والعدوى الفيروسية والبكتيرية والطفيلية والتي تزداد في العالم ، وليبيا إحدى  الدول الأفريقية التي ينتشر في بعض منها الأمراض المعدية الخطيرة مثل الايبولا والزيكا ونقص المناعة المكتسبة ( الايدز ) والذي تعاني منه ليبيا منذ سنوات ، ويتزايد الخطر مع انتشار المخدرات والمسكرات والهجرة غير الشرعية ، وللأسف الشديد المجتمع يعاني من نقص في مياه الشرب الصالحة ، وعدم توفر شبكات الصرف الصحي كما يجب لجميع القرى والمدن ، ولا توجد معالجات صحية وبيئية للنفايات والمخلفات لا المنزلية والمكتبية ، ولا للمستشفيات والمراكز الصحية والعيادات ، ولا للادوية البشرية والبيطرية والمبيدات الزراعية  المنتهية الصلاحية ، والمواد الكيميائية وزيوت المولدات الكهربائية ، ولا للأغذية الفاسدة والمخدرات والسموم الضارة بصحة وحياة الناس ، وكذلك عدم وجود آليات مضمونة ومستمرة لضمان توفر الأغذية والمشروبات الآمنة والصالحة للاستخدام والغير ضارة بالصحة ، ومع إستمرار النزاعات وعدم الاستقرار يزيد من الإجهاد النفسي والاضطرابات العقلية ويؤثر على الجهاز المناعي للفرد والذي يفاقم من إحتمالية زيادة الأمراض المزمنة وبالتالي تتناقص فرص حصول ووصول المجتمع للصحة والرفاه وكل المحددات المترتبة عليها من سعادة وراحة وإنتاجية ، وليبيا لديها فرص أن تكون من البلدان التي تحقق طفرة في الصحة للجميع وبالجميع بعيدًا عن القص واللصق ، والتماهي مع أنظمة صحية غير إنسانية وتمييزية وغير منصفة ، وبتكاليف باهظة ومخرجات سيئة ، تطول فيها قوائم الانتظار ، ويموت المرضى على أعتاب أقسام الطوارئ ، وترتفع فيها نسب الاخطاء الطبية القاتلة ، وتسيطر على أنظمتها الصحية منظومات تجارية ربحية تقودها شركات الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية والمنصات الإلكترونية والتأمين الطبي وشبكات المصالح المرعبه التي تتعايش من المرض والصحة وأزمات الناس ، أنظمة تعظم الخدمات الاستشفائية على حساب التدني في الخدمات الصحية الاستباقية والوقائية ، وصحة المجتمع ، والرعاية الصحية الفردية المستدامة ، والخدمات الصحية التي تحافظ على كرامة الانسان وحقوقه. صحتي حقي مطلب انساني وشرعي ودستوري وأخلاقي ويجب أن يتحقق لكل إنسان أينما وجد وحيثما كان ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى