كتاب الرائ

تعافي درنة

د.علي المبروك ابوقرين

المصاب الجلل والكارثة التى حلت على درنة الزاهرة ومدن وقرى الجبل الأخضر الأشم سوف تستمر معنا ، لأن كارثة درنة  سيبقى جرحها ينزف فينا وفي الدراونة أكثر وأشد ألم بحجم الفقد الكبير الذي راح فيه الأهل والأحباب والجيران والذكريات ، حيث جرفت السيول كل شئ ..

ولتجاوز هذه المحن الصعبة يتطلب العمل الكبير والمتواصل على كل المجتمع الليبي  بشكل عام  والبرقاوي والدرناوي بشكل خاص ، ويحتاج لعدة مسارات متوازية وأخرى متتالية للتعامل مع شتى شرائح وفئات المجتمع ، ومع إختلاف المصاب ودرجات الفقد في النفس من الأهل  والأحباب والأصدقاء والزملاء والجيران ، والمكان والذكريات والممتلكات ، والأحلام والمشاعر والمشاريع ، وبقدر حجم الفقد في النفس والمُلك ، وبقدر قدرة الفرد على العمل على نفسه ، وقدرة الأهل  ومن تبقى على التداوي الذاتي وشد الأزر لبعض ، والقدرة على الاحتمال والتعود والتكيف والإيمان ، وقدرة المجتمع على التماسك والتعاضد والتلاحم والإيثار والتسامح والتحاب ، والتأزر الدائم والمستمر والمتعاظم ، وتقاسم الحزن والفرح واللقمة ، وقدرة الدولة على تحمل المسؤولية الكاملة ، والقيام بواجبها في حماية المجتمع والحفاظ على حياته وتأمين العيش الكريم والصحة الدائمة

وتعزيز الهوية وتعظيم الشخصية ، وقدرتها على الحلول الآنية التي تفوق الاحتياجات ، والمستقبلية التى تتعدى الأحلام والطموحات ، وقدرة الدولة على رفع الظلم وتحقيق العدالة ، وتمكين الناس من العيش في بيئات سكن وعمل وحياة نظيفة صحية متطورة ، تتماشى مع التقدم الحياتي والرغبات المعيشية ، وتدفع المجتمع كله للتقدم والتطور والبناء بالعلوم والمعرفة والثقافة ، ودولة قادرة على إدارة  القطاعات التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية بمعايير الإدارة الرشيدة والشفافية والحوكمة والحكمة ، وضمان مخرجات التعليم الصحيح والمتين والقوي ، وتعزيز صحة الأمة وتمكينها منها بتغطية شاملة وخدمات متقدمة ومتطورة بعناصر ماهرة ومؤهلة ، وإمكانيات تضاهي الأحدث عالميا ، واقتصاد يبني المجتمعات بالعلم والمعرفة والزراعة والصناعة والإنتاج ، اقتصاد يحافظ على صحة وحياة الناس والبيئة التي يعيشون فيها ، ودولة قادرة على حماية حدودها وأمنها وآمان شعبها من كل التحديات والتهديدات والسلوكيات السلبية المدمرة للمجتمع والوطن ..

قدر الله وما شاء فعل مهما كان سبب ونتيجة الفعل ، وما حدث قد حدث ، والحياة بالضرورة والطبيعة تستمر وأهلنا في المناطق المتضررة سوف يتجاوزوا ونحن معهم محنتنا ومصابنا ، ونداوي جراحنا ، بوضع اليد في اليد والكتف بالكتف ، وننهض من كبواتنا ، ونبني بلادنا كما تمناها لنا آبائنا وأجدادنا ، وكما نريديها لأبنائنا والأجيال القادمة ، بلاد تزخر بمقومات الحياة الكريمة ، والسكن اللائق للجميع ، والتعليم الراقي المتقدم للجميع ، والصحة للجميع وبالجميع ، بلاد متمسكة بالقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية والعربية والاسلامية …

ولذلك على المسؤولين سرعة إعادة الحياة كما يجب في كل المناطق المتضررة ( مدارس ومستشفيات وطرق وكهرباء ومياه وصرف صحي وحدائق وغيرها ) ، وتأمين السكن اللائق بكل المرافق والخدمات ، ويراعي لم الشمل وجمع الأهل والجيرة ، والقرب من العمل والدراسة حتى وان كان مؤقت ..

وضرورة إتخاذ جملة من التشريعات والقوانين لحماية الوطن والأمة من أي تحديات وتهديدات طبيعية أو  غيرها ، واتخاذ الإجراءات  الضرورية لتسهيل وتسريع عودة الحياة ، وتمكين الناس من حقوقهم الكاملة ، ورفع المعاناة عنهم ، وحمايتهم وتعويضهم عن كل خسائرهم ، وأن تباشر الدولة في كل البلاد من هذه الساعة في إصلاح البنى التحتية ، وإصلاح التعليم المنهار ، والصحة المتردية ، وتوفير العلاج لكل المرضى على نفقة الدولة بمستشفيات متقدمة آمنة ، وحماية أرواح الناس من المتاجرة في صحتهم وحياتهم في الداخل والخارج الذين تكالبت عليهم قوى الشر ، واسُتنزف جهدهم وصحتهم ومدخراتهم ..

والايقاف الفوري تسليع التعليم والصحة والمتاجرة فيهم .

إن التعافي من الأزمات والكوارث مرحلة لا تقل صعوبة وتعقيد عن مراحل ما قبل الكوارث ( وللاسف مفقودة ) ( التأهب والاستعداد والاستجابة والوعي والقدرة ) ، ومرحلة حدوث الكارثة ( لا وجود لها ) امتصاص الصدمات وسرعة الاستجابة والمرونة والاستعداد التام ، لتقليل الأضرار وتجنيب المخاطر  ، بنظم وطرق وأساليب حضارية وامكانيات كبيرة تسمح للإنسان بالانتصار على كل التهديدات وتمكنه من تطويع الأزمات والتغلب عليها ، والخروج منها في اسرع وقت واقل ضرر وكلفة دون الحاجة لاستجداء الغريب ، أو فزعة الأهل والدم مع ان معونة الشقيق والصديق واجبة وفزعة الأهل تلقائية حتى وان كانت الدولة في يوم من الأيام تكون قادرة ..

إن أزمتنا الحقيقية في أنفسنا وتغليب الجهل على العلم ، والفشل على النجاح ، والضعف على القدرة ….

رحم الله من قضى ، والصبر لمن بقى ، والشكر لمن ساعد وسعى..

وسوف تُبنى بإذن الله السدود العالية بيننا وبين الجهل والمرض والفقر والتخلف ، وكل ما يهدد أمتنا وحياتها ووحدتها ..

والتعافي قادم بعون الله ووحدة الأمة وليبيا ستنهض بهمة شعبها العظيم وقوة إيمانها  ..

       .*حفظ الله أمتنا وبلادنا*

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى