كتاب الرائ

الطب في مئة عام

د. علي المبروك ابوقرين
في القرن العشرين شهد الطب تطور في الرعاية الصحية بدء من أكتشاف المضادات الحيوية ، واللقاحات والتخدير ، واكتشاف البنسلين في 1928 ، وتطور المعدات الجراحية ، ومع بدايات منتصف القرن ومايليه تطورت اللقاحات ضد شلل الأطفال والحصبة والجدري والسل الامراض التي كانت تقضي على الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم ، وساهمت اللقاحات في القضاء على تلك الأمراض في بلدان كثيرة ، وخفضتها بشكل كبير في بلدان أخرى ، ولعبت الحروب ومنها الحرب العالمية الأولى والتانية دورًا كبيرًا في تطور الطب الحديث بسبب الإصابات الخطيرة والكثيرة مع الإمكانيات البسيطة حينها ، مما اضطر بالمسعفين والمعالجين للإعتماد على الفرز وفقًا للحالات وشدة إصابتها ، وأولياتها وفرص علاجها ونجاتها ، وتطور نقل وإخلاء المصابين من الراجلة لعربات يجرها الدواب ، لسيارات الإسعاف والتدخل السريع ، والمستشفيات الميدانية وما طرأ عليها من تطور مما ساعد في إنقاذ الكثير من الأرواح ، وتحسنت التدخلات الجراحية وعمليات البتر والجراحات الترميمية ، وصقل الأدوات الجراحية ، وتطور علاج الجروح بالتعقيم والإقلال من العدوى والالتهابات ، ومن قبلها ساعد اختراع السماعة الطبية وأجهزة قياس الضغط والأشعة السينية لمعرفة ما يحدث داخل الجسد ، وساهمت في سرعة وسهولة تشخيص بعض الأمراض ، واكتشاف الانسولين في 1921 يعتبر إنجاز عظيم لعدم وجود علاج للسكري قبل ذلك ، وتطور الانسولين من الحيواني للبشري وطرق وأساليب إعطائه ، ومع أكتشاف البنسلين على يد الكسندر فليمنج عن طريق الخطأ توالت الاكتشافات بعدها للمضادات الحيوية حيث كان الستربتوميسن 1943 والتتراسيكلين 1958 والفانكوميسين والسيفالوسبورين ، وتمت بفضل تلك الأدوية السيطرة على الكثير من الأمراض الخطيرة القاتلة مثل الالتهاب الرئوي وتلوث الجروح ، وشهدت الرعاية الصحية تطور ملحوظ بتبني النظم الصحية ، وتطور العلاجات من المنزلية التقليدية الارتجالية إلى علاجات طبية علمية داخل مرافق صحية مصممة خصيصا لإيواء المرضى وفق الأمراض والفئات العمرية ، وبإشراف أطباء وعاملين صحيين مؤهلين ومجازين ،
وأدلة اكلينيكية ومعايير للاداء والسلامة ، وحوكمة صحية ، وتخصصات عامة وتخصصات فرعية وتخصصات دقيقة ، وحدث تطور في الطب النفسي والعقلي والتحول من الاعتقادات الخاطئة والعلاجات القديمة مثل ازالة جزء من الدماغ ، أو الصدمات الكهربائية ، والعلاجات الغير آدمية الى علاجات متقدمة
بتدخلات دوائية وأساليب علاجية متطورة ، ومصحات استشفائية متخصصة ، وغيرت الأبحاث الطبية من علاجات الأورام من بعد اكتشاف العلاج الكيميائي والاشعاعي ، وعلاجات الأمراض المستعصية وزراعة الاعضاء ، والجراحات المتقدمة بفضل التطور التكنولوجي لمعدات غرف العمليات والعناية المركزة والأجهزة الملاحية والميكروسكوبات والمناظير الاستكشافية والجراحية ، والتجهيزات الطبية الخاصة بالرقابة الصحية المستمرة بالمستشفيات ، وخارجها بإستخدام الأجهزة المحمولة ، والتطور في العلاجات مع نهاية القرن وبداية القرن الواحد والعشرين ومنها العلاجات المستهدفة والعلاجات المناعية والموجهة والتنميط الجيني والتقدم في التكنولوجيا التشخيصية المعملية وتقنية الخلايا الجذعية ، والأشعة المتنوعة ومنها التشخيصية المتقدمة ، والأشعة العلاجية والجراحية والتداخلية ، واختبارات المؤشرات الحيوية التنبؤية لتصميم الخطط العلاجية إستنادا لخصائص الأورام والخصائص الوراثية لكل شخص على حدة ، التي أصبحت من سيمات الخدمات الصحية الحديثة مع بدايات القرن الحالي ، وإتباع إستراتيجيات جديدة بأنظمة النانو وتقنيات تحرير الجينات ، مما حققت العلاجات الحديثة نتائج إيجابية ، وقللت من الآثار الجانبية ،
والتي أحدتث منهج الطب الشخصي والعلاجات المستهدفة في الرعاية الصحية ، بتكييف العلاجات الطبية مع التركيب الجيني للفرد بدل العلاجات الجماعيه التي صممت على مقاس واحد يناسب الجميع طيلة القرن الماضي ، ومع التنفيذ الواسع للسجلات الطبية الاكترونية المتكاملة التي بنيت على غرار السجلات الطبية المعمول بها في النظم الصحية الصحيحة أتاح الفرص لمبادرات الطب الدقيق القائم على البيانات الشخصية المتكاملة الدقيقة التي تمكن الأطباء من تقديم علاجات أكثر فعالية مصممة خصيصًا لاحتياجات كل مريض بعينه ، وساعدت الخوارزميات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل بيانات المرضى بسرعة ودقة ، لتحديد المخاطر ، أو المضاعفات المحتملة قبل حدوثها ، مما يسمح للأطباء والمعالجين باتخاذ قرارات صحيحة ومستنيرة إستنادا على المعلومات الصحيحة في الوقت الفعلي ، وساهم الذكاء الاصطناعي والروبوتات في تشخيص الأمراض بأكثر دقة ، والتفوق في العمليات الجراحية وتجنيب الأخطاء البشرية ، وأجراء العمليات المعقدة في المناطق الصعبة ،
وساهمت تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات في التطبيب عن بعد ، وتسهيل التواصل المباشر المستمر بين المرضى والأطباء ، وأتاحت الفرصة للمراقبة اللصيقة والتشخيص وتخطيط العلاج في الوقت المناسب عبر المسافات الطويلة ، وتقديم الخدمات الطبية المنزلية المستمرة ، وتقديم الخدمات التمريضية الافتراضية ، وساعدت تقنية الشاشات الثلاثية الأبعاد على الاستعانة بالخبراء والمتخصصين من بلدان أخرى للتشاور في الحالات النادرة والمعقدة ، ويعيش العالم تسابق محموم بين الشركات التكنولوجية والبيولوجية والحيوية على اختراع شرائح تتحكم في الأدمغة ، وكبسولات تغوص في الخلايا والأنسجة البشرية ، ولقاحات ضد الأمراض المعدية والوبائية والنادرة ، ورسم لخرائط الجينات البشرية لتطوير أساليب التشخيص والعلاج ، واحراز مزيد من التقدم التكنولوجي والمعرفي لتحقيق حلم الخلو من الأمراض ، وتمكين البشرية من صحتها ، ان الطفرة التي تحققت في الخدمات الطبية في القرن الماضي ساهمت في التطور المتسارع في هذا القرن الذي يحتاج الى المزيد من الاهتمام بالتعليم والتدريب والبحوث العلمية والنهوض بالنظم الصحية ، لمجابهة التحديات والتهديدات الصحية التي يمر بها

العالم الحديث .
ان الصحة في المئة عام القادمة مغايرة عن المئة الماضية وتحتاج فكر وعقول وإمكانيات مغايرة ، بإنسانية أكثر ومشاركة مع المريض اقوى ، وعدالة وإنصاف غير منقوصين …
د.علي المبروك ابوقرين

تعليق واحد

  1. اشكر د علي ابوقرين إثراء مواضيع جد مهمة تتعلق بالصحة واستراتيجية الرعاية الصحية ، والتوعية بشكل عام ، الرياضة وأثرها الإيجابي على صحة الإنسان ، والتعليم الجيد للوصول إلى مجتمع يتمتع بجسم سليم معافى ، وثقافة وعلوم طبية .
    شكرا ، أتمني لكم التوفيق والنجاح ومزيد من التقدم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى