كتاب الرائ

صورة وتعليق ( 10 )

سالم الوخي

صورة وتعليق ( 10 )

سالم الوخي

التصوّف ،  والإغتراب والقلق الفكري ، والسلطة والمثقف ، والجهاد ، والفلسفة والدين ،  وارستقراطية المعرفة ، والسببية ،  أبرز القضايا التي تطرقنا إليها بالعدد الماضي ، خلال قراءتنا لبعض صفحات المشهد الفكري ، للإمام حجة الإسلام الغزالي .

ولاشك في أنها قضايا حيّة  ملتهبة داخل الجسد الإسلامي المعاصر ، امتد عمرها الزمني واتسعت مساحاتها المكانية  ، يلامسها العرب مذهولين ، ويتلظوا بحرائق صدامات  المتصارعين حولها ،  شهيقا وزفيرا .

لوحة اليوم والتعليق عليها  ،  يتمحوران حول التصوّف والتعريف به وتاريخه وأشهر رموزه ،  لأنه اختيار ومشروع مفكر  إسلامي موسوعي في قامة أبي حامد الغزالي ، أثناء رحلته المثيرة  في البحث عن الحقيقة ومحاولة الاتصال المباشر بها وصبغ مسيرته بألوان التصوّف الجذابة وفق عصره ولحظته التاريخانية والإجتماعية آنذاك . وسنستعرض في صور ولوحات  الأعداد القادمة بعض هذه القضايا التي أثارها فكر الغزالي .

وأقصد بالتصوّف ، ظاهرة الزهد وارتداء الخرق ، والإعتكاف بالزوايا والتكايا والخانقاهات والإنعزال عن الحياة الإجتماعية ، وتأويل آيات القرآن الكريم  والأحاديث النبوية الشريفة..

وفي تعريف التصوّف وجذوره ، يري الباحث المصري الدكتور عمار علي حسن بكتابه الصوفية والسياسة في مصر :  ( أنه من المفاهيم الغامضة المركبة التي اختلف حولها الباحثون والعلماء  … ومن يطالع الكتابات التي تتناوله ويدقق فيها يجد نفسه أمام مئات التعريفات … منها التعريف الذي يري  أن التصوّف نزوع في الإنسان نحو التسامي والتكامل والمعرفة عن طريق الكشف الروحي .. والرياضة النفسية ) …

ويضيف  ( هناك من يرجع كلمة التصوّف الي الكلمة اليونانية سوفوس ، أي الحكمة ،  وكلمة التصوّف لم تذكر علي ألسنة الشعراء والخطباء قبل الإسلام  ، ولم تجر علي لسان الرسول صلي الله عليه وسلم ولا صحابته ولم ترد في القرآن الكريم ،  ولم يظهر هذا اللفظ مفردا إلاّ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي حين نعت به جابر بن حيان عالم الكيمياء الشهير وكان له في الزهد مذهب خاص ، أما ظهور اللفظ في صيغة الجمع الصوفية   ، فيرجع الي عام 199 هجرية  ) .

وما يسمي بـ( التصوّف الإشراقي ) ، تم نسجه  من كلمة  ( الإشراق ) ، وهو في اللغة الإضاءة والإنارة. واصطلاحا ادعي البعض بأنه  ( ظهور الأنوار الإلهية في قلب الإنسان الصوفي ) . وهناك من يرد جذور التصوّف الي ميتافيزيقا الغنوصية أو الأفلاطونية الحديثة أو الفيدانتا الهندية أو الهرمسية .

نشأ  ( التصوّف الإشراقي )  بالقرن الثالث الهجري علي يد ذي النون المصري المتوفي عام 245 هجرية ، وتلاه أبو يزيد البسطامي فظهرت مايسمي ( بنظرية الاتحاد )  الجدلية  ، وسجلت عليه شطحات جذب أخرجته عن وعيه .

وعرفت مثل هذه الشطحات المرفوضة  إسلاميا ، عام 309 هجرية  بالعراق ، عند الحلاج الحسين بن منصور أول من قال بـ ( الحلول ) وحسب زعمه ( حلول الله في الإنسان )  ومناديا بوحدة الأديان ،  وتبعه  علي ذات النسق  السهروردي المقتول بسوريا عام 587 هجرية  ، بتعليمات من صلاح الدين الأيوبي …

وسار علي نفس المنوال الصوفي  الأندلسي محي الدين بن عربي ، المتوفي عام 638 هجرية ، أول من زعم بـ( نظرية الإنسان الكامل ) مدوّنا في 20 مجلدا  ، وجهات  نظره المدانة إسلاميا .

ومن الطبيعي أن يضيق المسلمون بالتصوّف المتسربة إليه النظرات الجامحة في المعرفة والوجود ، والمنحرفة عن مبادئ الإسلام الحنيف .

اقترف الحلاج شطحات ،  جرحت الوعي الإسلامي ، حتمت واستدعت محاكمته وعقابه ، وبالوقوف قليلا أمام  دموية إعدامه  ، نلاحظ  مصادمتها لحقوق الإنسان وآدميته التي نادي بها الإسلام العظيم .

وتنقل إلينا مدوّنات التاريخ ، هذه الصورة  :  ( محاكمته وافق عليها 84 فقيها وضرب ألف سوط وقطعت يداه ورجلاه  ، وهو لايزال حيا ،  وسقط رأسه من علي المشنقة ثم صبّ الزيت علي جذعه واشتعلت فيه النار … وألقي الرماد المتخلف عن أشلائه من أعلي المئذنة في نهر دجلة ! ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى