الجنون والإبداع (3) –
محمد ابوالقاسم الككلي –
تحت مدخل كلمة (الجنون)في موسوعة العلوم الفلسفية، يقول هيغل (العمى هو الصفة المميزة للجنون )فإذا (ما انحرف انسان ما عن جادة العقل، وهو عالم بما أتاه، وكان ذلك تحت تأثير انفعال عنيف، وصفناه بأنه انسان ضعيف، أما إذا انحرف عن جادة العقل عن عمد واقتناع كامل وصفناه بأنه مجنون )
ومن ثم، فإن مايميز الجنون ليس مجرد العمى، أى عمى، وإنما هو نوع خاص من العمى الذى هو أعمى لذاته، أى إلى الدرجة التى تسفر بالضرورة عن نوعا ما من (وهم العقل )
أما والحالة هذه، فكيف لنا أن نعرف أين يتوقف العقل وأين يبدأ الجنون طالما أن كليهما ينطوى على نوع من السعى إلى صورة ما من صور الفكر ‘وإذا كان الجنون، على هذا النحو، قد تحدد على أنه ضرب من الإيمان بالعقل، فلا يمكن لأى فكر معقول أن يخلو بالفعل من شك الجنون، وهكذا يلازم العقل والجنون كل منهما الآخر ملازمة لا انفصام لها ‘والجنون لا يحدث إلا داخل عالم من الصراع، أى صراع الأفكار ‘
وقضية الجنون لا تعدو كونها قضية الفكر نفسه :أى أن قضية الجنون، بصورة أخرى، هي التى تحول جوهر الفكر، وعلى وجه التحديد، إلى قضية، فالقدرة على تأمل الذات كانت من نصيب الإنسان وحده كما يقول هيغل، وها هو نيتشه يذهب إلى أكثر مما ذهب إليه هيغل عندما يقول (هنالك أمر واحد سيظل إدراكه مستحيلا إلى الأبد :ألا هو أن تكون عاقلا )
(إذ ليس هنالك سوى نتفة من عقل، ومثقال حبة من الحكمة، والحكمة هي الخميرة التي تمتزج بكل الأشياء، وحب الجنون هو الذي يجعل الحكمة تمتزج بكل الأشياء )
