كتاب الرائ

رموز ونجوم في سجل العمر (5)

محمود السوكني

رموز ونجوم في سجل العمر (5)

عندما أنشئت المؤسسة العامة للصحافة في بداية السبعينات كانت هناك الصحف الخاصة التي تتنافس فيما بينها على استقطاب القراء الذين غالباً مايجدون فيها مايفتقدونه في الصحف الحكومية من نقد و(سلاطة لسان) على الأوضاع السائدة آنذاك كالمطالبة بإجلاء القواعد العسكريَة ووقف احتكار الشركات الأجنبيَة لمصادر الدخل وغير ذلك من القضايا الوطنيَة التي كانت تلهب حماس رجل الشارع وتلفت انتباهه لاتفاقها مع مطالبه التي يرفع شعاراتها في المظاهرات الطلابية والعمالية التي تدعو لها النقابات بين الفينة والأخرى . كانت هناك (الحقيقة) لآل الهوني في بنغازي ونجمهم الساطع الصحفي الشهير “رشاد الهوني” صاحب المقولة المشهورة ( أنا صحفي عالمي ) التي أطلقها في محكمة الشعب وهو في قفص الاتهام ! وكانت هناك (الشعب) لصاحبها ورئيس تحريرها الأديب الأريب “علي مصطفى المصراتي” ، وهناك (الميدان) لأشهر المعارضين “فاضل المسعودي” المتهم بشيوعيته ، و(الحريَة) لصاحبها ورئيس تحريرها الناشر “محمد عمر الطشاني” الذي يحلو لصديقنا الصحفي القدير “المهدي كاجيجي” نعته ب(الأستاذ) احتراماً له وتقديراً للعلاقة الوثيقة التي نشأت بينهما وهي بالمناسبةالصفة التي تطلق على الصحفي الكبير “محمد حسنين هيكل” في الوسط الصحفي في الشقيقة مصر ، وكانت هناك (الرائد) لصاحبها ورئيس تحريرها القاص “عبدالقادر أبوهروس” وشقيقيه “إبراهيم” و”يوسف” ويدير تحريرها الصحفي القدير “عبداللطيف خليفة بوكر” الذي رزئنا بفقده مبكراً وكان نعم الأخ ونعم الصديق . عندما أغلقت صحيفة (الرائد) فكَر الصديق “عبداللطيف بوكر” في إصدار صحيفة بديلة لها وتمكن بالفعل من الحصول على رخصة إصدار صحيفة جديدة سماها (الرأي) اتخذت من مقر (الرائد) الذي كان يقع في عمارة (طاطاناكي) بجادة الاستقلال مكاناً لها كنت وقتها قد بدأت العمل في المؤسسة العامة للصحافة كما أسلفت ، فاقترح عليَ الزميل “بوكر” ترك العمل في صحافة (الحكومة) على حد تعبيره والانضمام إلى الصحافة الوطنيَة الحُرَة التي تنتصر لقضايا المواطن وتدافع عن حقوقه وتسعى من أجل مصالحه ، ولم أكذب خبراً بل ذهبت من فوري إلى مكتب أستاذنا “عمر الحامدي” مقدماً استقالتي التي لارجعة فيها ! كان الأستاذ الفاضل “عمر خليفة الحامدي” يشغل وقتها منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة ورئيس تحرير صحيفة (الفجر الجديد) وقد حاول –للأمانة- أن يثنيني عن ذلك لمصلحتي كما قال وعلَل ذلك بقوله(لأن الصحيفة التي تتركنا من أجلها لن تستمر طويلاً) ، غير أنني لم اعبأ بما قاله وأصريتُ على الاستقالة التي وافق عليها أسفاً وهو يعيد على مسامعي تحذيره ويؤكد عليه ! انطلقت مسرعاً أخبر رئيسي القادم وصديقي الدائم بانتهاء علاقتي الوظيفيَة بالمؤسسة واستعدادي للبدء في التحضير لإصدار المطبوعة الجديدة التي لم تختلف من حيث التبويب عن المغفور لها (الرائد) خاصة في صفحتيها الأولى والأخيرة إذ كانت بنفس الترويسات القديمة على نحو (سمعت) و(في سرك) و (لا تقرأ هذا) و (هات ودنك) وكلها إخبار أو معلومات طازجة لم تنشر من قبل ، كما قمنا باستقطاب بعض الكتَاب المعروفين كالأستاذ “محمد الشاوش” الذي كان على رُقي كتاباته ودقة معانيها ذو خط رديء يصعب قرأته إلَا لعدد محدود من الجميعيَن في المطبعة وقد تخصصت بعد لأي في فك طلاسمه غفر الله له . لم يدم الفرح طويلاً وصدقت نبوءة الأستاذ “عمر الحامدي” إذ كان ماتوقعه وحذرني منه غير قابل للخطأ والصواب بل كان – فيما أعتقد الآن – عن علم بما سيكون بحكم منصبه وقربه من السلطة الحاكمة آنذاك وما تخطط له لمستقبل الصحافة و .. صدر الأمر بإغلاق المطبوعات الخاصة وانتهى الأمر بنا إلى الشارع الذي لم نستمر فيه طويلاً !

 

محمود السوكني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى