مخاطر تفتيت القطاع الصحي

د.علي المبروك أبوقرين
القطاع الصحي ليس مجرد مباني أو ادارات أوأجهزة طبية أومؤسسات متناثرة أوكيانات متفرقة أو هيئات بمسميات مختلفة ، بل هو منظومة مترابطة لا يمكن أن تؤدي دورها إلا إذا كانت قائمة على التكامل والاتصال والانسجام وسلسلة مترابطة من الخدمات تتحرك فيها الموارد والبيانات والمعلومات والمرضى بسلاسة ويسر ، ومسار علاجي واضح يضمن التشخيص المبكر ، والتدخل السريع ، والعلاج المناسب المثالي ، والتأهيل والعودة للحياة الطبيعية ، وإنما ما يحدث في بلادنا هو عكس هذه القاعدة حيث يتم تفتيت القطاع الصحي إلى كيانات متفرقة يظن البعض أنها تقوي المنظومة بل هي في الواقع تحولها إلى جزر معزولة ، ويغيب التنسيق ، وتضيع حقوق المرضى ، وباب لهدر الموارد والفساد ، وبيئة للصراعات المؤسسية ، إن تفتيت القطاع الصحي يعني ضعف وتردي الخدمات ، وغياب الثقة بين المواطن والدولة ، وفقدان الأمن الصحي ، وتكريس للازدواجية ، وتدمير للعدالة الصحية ، حيث يترك الفقراء وما أكثرهم للمعاناة ، والاغنياء والنافذين لا خوف عليهم لهم طرق بديلة وميسرة ، إن النظام الصحي هو سلسلة من الخدمات تبداء من قبل الرصد المبكر والاستباقي ، والتنبؤ بالأمراض والأوبئة والتدخل قبل تفاقمها واستفحالها ، ويمر عبر الرعاية الصحية الأولية الشاملة ، والتي إتسعت لتغطية خدمات الصحة الواحدة في المكان الواحد كخط دفاعي حصين تحل فيه وعنده أكثر من 85% من المشاكل الصحية ، وخدمات الإسعاف والطوارئ والاستجابة الفورية بالامكانيات الهائلة اللوجستية والبشرية المؤهلة وفي الأوقات القياسية التي تتسابق مع الزمن لإنقاذ الحياة في كل مكان بربوع الوطن ، والخدمات الاستشفائية العلاجية بمستوياتها الثلاثية ، والرعاية اللاحقة التأهيلية حتى يستعيد المريض صحته وعافيته وقدرته على العمل والإنتاج ، والعودة للحياة الطبيعية ، ولكي يعمل النظام بفعالية لابد أن يتحرك المريض بسهولة وسرعة بين هذه المراحل تصحبه أو تسبقه بياناته ومعلوماته الصحية عبر ملف صحي موحد وإلكتروني مؤمن ، ولا يحتاج لإعادة الفحوصات ، أو مواجهة بيروقراطية مرهقة من إدارات بعيدة عن المنطق والعلوم الإدارية الصحية والمهنية ، التي تجعله يتنقل تائها ضايعا بين المؤسسات الصحية المجزأة ، إن تفتيت النظام الصحي يضر بصحة وحياة الناس ، ويفاقم من المعاناة والآلام والمشاق ، والصحة حق وليست غنيمة ، ومن يفتت منظومتها يعتدي على حياة الناس ، ومن يرى في تفتيت النظام الصحي إصلاح عليه أن يعلم أنه تفكيك لمقومات الدولة وعدالتها ، واضعاف وإنهيار للنظام الصحي مهما رُفِعتْ من شعارات التطوير والإصلاح ، والقطاع الصحي ليس مجرد إدارة خدمات بل أساسي للموطن والمجتمع ، وركيزة للعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة ، وأي تفتيت أو تشتيت في المنظومة هو إنتهاك مباشر لهذا الحق لأنه يعرقل وصول الناس الى العلاج المثالي والمنصف والسريع ، والنظام الصحي القوي والفعال والمنصف هو الذي يكون مثل سلسلة متينة مترابطة الحلقات ، أو كالنهر الواحد المتدفق تتغذى منه الجداول والعيون ، وليس كالبرك والمستنقعات تنشر الأمراض ولا تروي أرض ولا بشر ، العالم يوحد الصحة ونحن نفتتها ، ويربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة ونحن نقطع أوصال صحة الإنسان ذاته .




