كتاب الرائ

صديقي والحرب الأهلية –

الهادي شليق -

صديقي والحرب الأهلية

الهادي شليق –

اذكر أنه أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام سبعة وستين، شدت كثير من العائلات الليبية الرحال إلى خارج طرابلس هربا من الحرب التي تدور رحاها على بعد آلاف الكيلومترات من مدينتهم ، وعندما اتذكر ذلك أقارنه بالوضع الحالي الذي تعيشه طرابلس ، حيث القصف المتبادل على بعد كيلومترات فقط ، ورغم ذلك تستمر الحياة وكأن شيئا لم يكن ، وكثيرا من العائلات رفضت الخروج حتى بعد طلب الهلال الأحمر منهم ذلك ، وأكتفوا بترحيل النساء والأطفال .

هذا هو التكيف مع حالة الحرب أو هي الثقافة الحربية ، حيث يتجاوز الإنسان فيها لحظات الخوف ، ويغلّب العقل على العاطفة ، ويتعاطى مع الواقع بشيء من الحذر ، دون أن يقع في دائرة الرعب ويفقد السيطرة على مشاعره ، بل في احيان كثير يتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك ، مثلما حدث مع صديق لي في بيروت اثناء الحرب الأهلية ، عندما كان يسرع هو وزوجته إلى أقرب عرصة ودقات قلبه تتسارع ، وهو يشهّد ويتلو ما تيسر من القرآن .

كان هذا في الأيام الأولى في بيروت ، ومع تكرار إطلاق النار وطول المدة تغيرت الأمور، حيث قال لي : عندما يصل إلى سمعي إطلاق النار، أسرع وكذلك زوجتي إلى شرفة الشقة لتحديد مصادر النيران ، وحتى نوع السلاح المستخدم والطرف المستهدف ، وتجاوزنا الخوف وعشنا كما يعيش اللبنانيون ، وانتهت مدتي وعدت سالماً وتذكرني أحداث طرابلس الآن بأيام بيروت ، رغم الفارق الكبير بين أسباب حربهم وحربنا .

لا أاعتقد أن هناك من يفضل الحرب على السلم ، ولكن إذا فرضت عليك فلا بد أن تخوضها وأن تتحمل تبعاتها ، ويبقى المهم هو أن تقنع الناس بأسباب تلك الحرب ، حتى يشاركوك فرحتك بالنصر أو يتحملوا معك الهزيمة  .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى