كتاب الرائ

ليبيا‭ .. ” ‬جنازة‭ ‬وشبعوا‭ ‬فيها‭ ‬لطم‭ “‬

■‭ ‬فيصل‭ ‬الهمالي

دبابيس

ما‭ ‬أن‭ ‬اعلنت‭ ‬المانيا‭ ‬عن‭ ‬اسماء‭ ‬رؤساء‭ ‬وقادة‭ ‬الدول‭ ‬المدعوة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬برلين‭ ‬حول‭ ‬ليبيا‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬انطلقت‭ ‬اصوات‭ ‬بعض‭ ‬النخب‭ ‬المثقفة‭ ‬والاعلامية‭ ‬في‭ ‬الشقيقة‭ ‬تونس‭ ‬،‭ ‬تستهجن‭ ‬وتستنكر‭ ‬ما‭ ‬وصفوه‭ ‬ب‭”‬إقصاء‭” ‬دولة‭ ‬تونس‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬رئيسها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ينوب‭ ‬عنه‭ ‬للحضور‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬برعاية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ويحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬ومشاركة‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬،‭ ‬صاحبة‭ ‬القرار‭ ‬والنفوذ‭ ‬و‭”‬كريماتها‭” .‬
و‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬تفرد‭ ‬القنوات‭ ‬التونسية‭ “‬غير‭ ‬الرسمية‭” ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬براحها‭ ‬البرامجي‭ ‬اليومي‭ ‬أو‭ ‬الأسبوعي‭ ‬،‭ ‬لطرح‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭ ‬الشائك‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الملف‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬،‭ ‬فعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬في‭ ‬قناة‭ ‬بعينها‭ ‬،‭ ‬تسعى‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬السيد‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬إحراجه‭ ‬واتهامه‭ ‬بالفشل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذريع‭ ‬بشكل‭ ‬ينطبق‭ ‬عليه‭ ‬المثل‭ ‬المصري‭ ” ‬جنازة‭ ‬ويشبعوا‭ ‬فيها‭ ‬لطم‭ “‬،‭ ‬باستخدام‭ ‬القضية‭ ‬الليبية‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬أوراقها‭ ‬المبعثرة‭ ‬اداة‭ ‬فعالة‭ ‬لدول‭ ‬وجماعات‭ ‬وأحزاب‭ ‬،‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬أو‭ ‬تضرب‭ ‬مصالح‭ ‬أخرين‭ ‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬مادة‭ ‬للاستعراض‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وسلاحاً‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬التلاسن‭ ‬والمبارزات‭ ‬الصحفية‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصالح‭ ‬تيارات‭ ‬ضد‭ ‬أخرى‭ .‬
إن‭ ‬تصدير‭ ‬تونس‭ ‬كدولة‭ ‬لها‭ ‬أهمية‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬حلحلة‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬كونها‭ ‬دولة‭ ‬جوار‭ ‬،‭ ‬أمنها‭ ‬واستقرارها‭ ‬لا‭ ‬يتأتى‭ ‬إلا‭ ‬بأمن‭ ‬جارتها،‭ ‬التي‭ ‬تشترك‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬واسعة‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬تربط‭ ‬شعبيهما‭ ‬روابط‭ ‬الأخوة‭ ‬والدم‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المصاهرة‭ ‬،‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬حوله‭ ‬عاقلان‭ ‬مدركان‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تفضل‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬السادة‭ ‬المحللين‭ ‬والسيدات‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬الأشقاء‭ ‬التونسيين‭ ‬والشقيقات‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬بعيداً‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬لخص‭ ‬أهمية‭ ‬الدور‭ ‬التونسي‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬بلداً‭ ‬تضرر‭ ‬ولازال‭ ‬يتضرر‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬،‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬تكدس‭ ‬المهجرين‭ ‬المقيمين‭ ‬على‭ ‬اراضيها‭ ‬،‭ ‬ما‭ ‬ارهق‭ ‬الدولة‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬اقتصادها‭ ‬،‭ ‬وكأن‭ ‬الليبيين‭ ‬يقفون‭ ‬على‭ ‬شبابيك‭ ‬الخزانة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬،‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬إعانات‭ ‬او‭ ‬صدقات‭ ‬تقدمها‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬وجودهم‭ ‬ساعد‭ ‬في‭ ‬تماسك‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬المتدهور‭ . ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬فزاعة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬مخاوف‭ ‬تسرب‭ ‬الإرهابيين‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬لاجئين‭ ‬أو‭ ‬مهجرين،‭ ‬بات‭ ‬أمراً‭ ‬مستهلكاً‭ ‬غير‭ ‬ذي‭ ‬جدوى‭ ‬،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬وجود‭ “‬أكاديمية‭” ‬جبل‭ ‬الشعانبي،‭ ‬المنتج‭ ‬الأول‭ “‬للكوادر‭” ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ .‬
والواقع‭ ‬أن‭ ‬ألمانيا‭ ‬لم‭ ‬تقص‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬المؤتمر‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬أنها‭ ‬استبعدتها‭ ‬من‭ ‬الأساس‭ ‬،‭ ‬لموقفها‭ ‬المترنح‭ ‬أو‭ ‬الضبابي‭ ‬حيال‭ ‬المشهد‭ ‬الليبي‭ ‬الراهن‭ ‬،‭ ‬بعكس‭ ‬موقف‭ ‬شقيقتها‭ ‬الجزائر،‭ ‬فمؤتمر‭ ‬برلين‭ ‬يهدف‭ ‬بشكل‭ ‬اساسي‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬لقاء‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬التأثير‭ ‬والدعم‭ ‬المباشرين‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬المسلح‭ ‬الدائر‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الليبية‭ ‬،‭ ‬بحسب‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬أو‭ ‬رؤية‭ ‬المبعوث‭ ‬الأممي‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬،‭ ‬فالمؤتمر‭ ‬يبحث‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬عن‭ ‬إقناع‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬قوة‭ ‬التأثير‭ ‬وفاعلية‭ ‬المواقف‭ ‬،‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬تهدئة‭ ‬يمهد‭ ‬لحلحلة‭ ‬المشكلة‭ ‬من‭ ‬اساسها،‭ ‬ولا‭ ‬يأبه‭ ‬لفصاحة‭ ‬الخطب‭ ‬التي‭ ‬سيلقيها‭ ‬الزعماء‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬اللغوية‭ ‬والمعاني‭ ‬العاطفية‭ ‬،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬الاستبعاد‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬تقدير‭ ‬الظروف‭ ‬والإعفاء‭ ‬من‭ ‬الإحراج‭ ‬،‭ ‬فلا‭ ‬يزال‭ ‬البيت‭ ‬الداخلي‭ ‬التونسي‭ ‬يحتاج‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الترتيب،‭ ‬ليكون‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬توضيب‭ ‬بيوت‭ ‬الجارات‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعيه‭ ‬جيداً‭ ‬فخامة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬وعامة‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬الذي‭ ‬تحاول‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬تأجيجه‭ ‬بكل‭ ‬أسف‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى