كتاب الرائ

الوظيفة والألقاب الاستعلائية

د.علي المبروك ابوقرين

في العهد العثماني ترسخت مفاهيم سلطوية واستعلائية وصبغت بألوان عربية ، وتنوعت في الألقاب والأزياء والأكل والسلوكيات والظواهر الشكلية ، ومنها طريقة الجلوس والسير والحديث وتفاصيل عديدة لا علاقة لها بالعمل وطبيعته وبالاداء والكفاءة والقدرات ، وإنماء القاب وتصرفات تضخمية لترسيخ التسلط في أذهان العامة والمرؤوسين ، والمناصب على تعددها وتراتيبها هي وظائف إدارية تتدرج وتتداول وتتغير وتخضع للحوكمة والمسألة ومحكومة بالقوانين واللوائح والأنظمة المعمول بها ومكفولة بالدساتير ..

 وهذه الألقاب العثمانية الفخامة والمعالي والدولة وصاحب السعادة والسمو والباشا والبيك والبيه لا علاقة لها بالدرجات الوظيفية ، ولا بالأمور البروتوكولية ، وإنما   تعبر عن التميز والأفضلية عن الآخرين ، وتضخم الذات وألانا والنرجسية ، وتعزز البيروقراطية والطبقية السياسية ، والتعالي والوجاهة الكذابة ، وتعطي الحق لمن يحملها في كل ما يقول ويفعل ، وللأسف يقع معظم أصحابها في الإصابة بأمراض  نفسية متعددة ومعقدة ، ومن الظواهر العجيبة هى التصنع في شخصيات خشبية تعكس القوة الوهمية المرضية ، وتداري الضعف وضحالة الفكر والعقل وغياب الحكمة ، والأدهى أن  هذا يؤثر على العوائل والأبناء والاقارب والمحيط والحاشية ، وجميعهم تنتقل لهم العدوى ، وغالبًا السلوكيات والأفعال تكون اسواء ، ونشاهد ماهو أغرب في شكل وحجم الكراسي والمكاتب في الإدارات العليا وتنوع وتعدد السيارات ، وتعمد إظهار العلامات والرموز التجارية الدالة على الماركات العالمية الثمينة في المقتنيات الخاصة للتباهي ، والمظاهر المتكررة في الملتقيات والمؤتمرات والمناسبات بتمييز الصفوف الأمامية بكراسي عجيبة في ضخامة الحجم والمبالغة في الشكل والنقوش والالوان  ، وكأن الكراسي تملك الهيبة والقرار والقوة والعلم . كل هذه السلوكيات الوظيفية السلبية تنعكس على الثقافة المجتمعية ، وبعيدة عن القيم والمبادئ الانسانية العربية والاسلامية التي تحض على التواضع وعدم التكبر والتباهي ، والحرص على العدالة والمساواة والعطاء والإيثار  ، وخدمة المجتمع وبدل الجهد في العمل والإنتاج ، وتطوير الذات والقدرات بالعلم والمعرفة والثقافة ، وجعل الخُلق يغطي الخلق كلهم ، صالحهم وطالحهم وخيرهم وشرهم وليس بالألقاب الوهمية المرضية والاستعلاء ،

ونرجوا  أن يصدر عن المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية القوانين واللوائح والقرارات التي تنظم شؤون الحياة بين الناس ، وتحدد الالتزام بالتعريف بالوظيفة وشاغلها بعيدا عن المسميات والألقاب الدخيلة والمنافية لقوانين العمل والخدمة المدنية والمسميات الوظيفية وشاغليها ..

الوظائف تكليف لخدمة الناس والوطن ، ودفع عجلة الإنتاج والتنمية ، وليست للاستعلاء والتكبر ، والتميز يكون بالقدرات والكفاءات والحكمة وحسن التدبير والإنتاجية والإبداع والابتكار ..

بالعلم والعمل تنهض الشعوب وليس بالاستعراض والتفاخر ..

نسأل الله لهم الشفاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى