كتاب الرائ

ليبيا بلدي في متاهة من جديد

قاسم نصير

ليبيا بلدي في متاهة من جديد

قاسم نصير

وما زلنا نحن العرب نخوض المآسي ويتوحش فينا ميولنا، وتغيب عقولنا، ونعتصر الألم تلو الألم ونحن نتجرع كأس السم زعافاً أنخاباً وأتراح، وما زال العرب يفتعلون حروبهم الأهلية وكأنهم يتبارون في ملعب لتقديم العروض الخطرة باستمتاع عجيب، فيدمرون حضارة بلادهم فلا يتركوها إلا جبالاً من الردم، وينسفون أمن مواطنيهم ويتسلون بأرواح الأبرياء من بني جلدتهم، ويبددون مقدرات أوطانهم الاقتصادية بحمق عجيب، تحركهم قوى خارجية لئيمة مقابل منافع شخصية خاصة، تماماً كعرائس مسرح الدمى تتحكم بهم وتوجههم، وليس هي إلا جهات مستنفعة تمتلك أجندة عدوانية لا تمت إليهم بشيء سوى كونها تحقق للأطراف الممولة المكاسب الخاصة والضرر واقع على الغلابة من المواطنين الأبرياء وقود نزاعاتهم.. ولنا أن نتساءل بأي حق ينقسم أهل البلد الواحد إلى فرق وفصائل ويتخذون المواقف المتضادة للوصول إلى مواقع حكم تمسك بالزمام، لتمتلك خزائن المال وتحقق بالسلطة المطامع والأحلام لمن هم وراء عنف كافة الأطراف.

وليبيا اليوم ما زالت تتأجح على هاوية خطرة وقد عادت إلى غفلة الحرب الأهلية الشنعاء، ليبيا عادت لتحترق من جديد، ومن يتحكم بأدوات الوقود هم جهات متعددة تسعى للسيطرة على زمام الحكم في ليبيا، لا تحركهم إلا مصالحهم ولا تدعم قتالهم إلا جهات عدوة، نفس المسلسل يتكرر رغم كل الدروس التي مرت على الأمة العربية، وتجار السلاح هم الكاسبون الوحيدون، وقد يكون ممول هذه الجهات واحد يحرك معه مجموعة حلفاء متعاونون لهم ذات المصلحة.

جذور الأزمة في ليبيا ظلت تتعمق بلا هوادة، وما يُسكت عنه يتطور ويتعظم خطره، وهكذا وجدت الحكومة الشرعية حكومة الوفاق الوطني نفسها في مواجهة عدة فرق مسلحة تقسم البلاد وتشتت تقدمها، وتعطل استقرار أمنها، إذ سرعان ما يشتعل الخصام بينها وتستنفر الجهات سلاحها.. ما بين حكومة الوفاق الوطني الشرعية بزعامة سيد  فايز السراج على مشارف طرابلس العاصمة ، وحكومة مجلس النواب صاحبة الولاء بما يسمي الجيش بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتحظى بدعم من السعودية و مصر و الإمارات وفرنسا، ومليشيات الطوارق في الجنوب الغربي من ليبيا في غات .. الصراع حامي الوطيس على السلطة والمصالح غير خافي يشتد أواره حينا ويهمد أحيانا، لكنه كلما اشتد نشب القتال مجدداً مخلفاً وراءه حصيلة من القتلى والجرحى من الطرفين، ودمارا ماليا وبشريا وحضارياً مكلفاً.

وتقف الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص موقف النافذ صبره وسط ظروف التصعيد العسكري الصعب متخذة قراراً بإلزام جميع الأطراف المتنازعة بالتقيد بعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة بما فيها إصرارها على عقد المؤتمر الوطني في وقته المقرر والذي يتم التحضير له على قدم وساق منذ عام تقريباً.

وواضح أن وزراء الدول السبع لديهم قناعة أن يوقعوا العقاب على حفتر ما لم يوقف القتال

ويذكر أن حفتر اتخذ قرار الهجوم العسكري على العاصمة طرابلس للقضاء على حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الغرب مما يعرضه ذلك لانقلاب وزراء خارجية الدول الأوروبية السبع عليه، وإصرارهم على إنزال العقوبة الدولية عليه، وما زال الطرفان المتنازعان في حالة صراع عسكري وتوتر متصاعد مما وضع السكان في حالة صعبة من نفاذ الطعام والوقود والماء والعلاج مما قد يسبب مأساة انسانية بالغة الضرر، وتخوف التجار من حدوث فوضى وانتهاز فرصة غياب الأمن والضبط فتتعرض محلاتهم التجارية وبضائعها الثمينة للنهب في ظل غياب مظلة أمنية صالحة.

تعدد أطراف النزاع وتدخل أياد من الخارج اعتادت أن تضع بصمتها في صنع تاريخ الدول ورسم تاريخ سياسات الدول وشعوبها من خلال استراتيجيات تسوقها ضمن عروضها للحل، كل هذا يُصعِّب على المعنيين ايجاد حل شافي، فالأصابع التي تشارك في الطبخة والبؤر التي تسببها دول الغرب على عادتها أكثر مما تستوعبه الحالة، وانسياقات الغرب لاعلامه موجه يجعل سياساتها تأتي غالبا بعكس ما تحتاجه المسألة ولهذا تتكرر الوسائل الغربية في ايقاع الظلم التي غالباً ما تتلقفلها الشعوب بالطرق المأساوية.

الحل يكمن باعتراف الجميع بفداحة الحرب الأهلية وكراهة التنافس باستخدام السلاح، لأن هناك مشكلة كبيرة في أن تتواجد على الساحة جماعات تشكل عصابات ستجد فرصتها بالنمو بأجواء هذه الفوضى وغياب الأمن والنظام ألا وهي عصابات التهريب والجريمة المنظمة والتجارة الممنوعة بشتى أشكالها، ونمو الصراعات القبلية والعناصر المغذية للجريمة بأنواعها، الخطر يتهدد ليبيا من كل الجوانب وعلى الأطراف المتنازعة أن تدرك أي خطر يتهدد بلدها في هذه الأجوائ الخطرة.

إن الصراع على اقتسام الثروة والتنافسية بين القطاعات ذات الطابع الاقتصادي سوف تزيد في تعميق المشكلة خاصة الحدودية ويعرض البلد لتدخلات خارجية أقوى، الأمر الذي يعرض السوق الداخلي للانفلات من العقال العام ويعرض البلد وأمنه واقتصاده لانهيار خطير.. وعلى الدول الخارجية أن ترفع يدها عن خيوط اللعبة في مسرح العمليات لاتاحة الفرصة لدعم الشرعية والانتقال إلى مرحلة قيادة الشعب من خلال الدستور  و الإنتخابات وأحزاب مشاركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى