كتاب الرائ

قيمنا‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬؟ ■‭ ‬الحلقة‭ ‬الثامنة‭ ‬

خليفة الرقيعي

 

نحن‭ ‬لا‭ ‬نشك‭ ‬في‭ ‬إمكانيات‭ ‬المثقفين‭ ‬الليبيين‭ ‬وقدراتهم‭ ‬الكفيلة‭ ‬بالقيام‭ ‬بمهام‭ ‬الثقافة‭ ‬الخطيرة‭ ‬لأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفذاذ‭ ‬مواكبون‭ ‬عصر‭ ‬التضخم‭ ‬المعرفي‭ ‬ولأنهم‭ ‬ملمون‭ ‬إلماماً‭ ‬عميقاً‭ ‬بمادة‭ ‬الثقافة‭ ‬ومتمكنون‭ ‬من‭ ‬مناهجها‭ ‬الأساسية‭ ‬وأساليبها‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭ ‬لذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حكومات‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬تام‭ ‬لفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬لهؤلاء‭ ‬النخبة‭ ‬ليقودوا‭ ‬ثورتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬القادمة‭ . ‬فالمشكلة‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬مستويات‭ ‬ثقافتنا‭ ‬مشكلة‭ ‬خطيرة‭ ‬حقاً‭ ‬ولن‭ ‬تستطيع‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬على‭ ‬وضعها‭ ‬الحالي‭ ‬أن‭ ‬تزعم‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬حلاً‭ ‬جاهزاً‭ .. ‬مما‭ ‬يستوجب‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الراهنة‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬موضوع‭ ‬جدير‭ ‬بدراسة‭ ‬مختصة‭ ‬وسنكتفي‭ ‬بهذه‭ ‬الإشارة‭ .‬
نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لمن‭ ‬يعي‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬لميادين‭ ‬الثقافة‭ ‬والمؤهل‭ ‬لمقارعة‭ ‬مشاكلها‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تتبع‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬عنها‭ ‬ويستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتذوق‭ ‬البديل‭ ‬الأفضل‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬ثقافتنا‭ ‬بافترضاتها‭ ‬ومسلماتها‭ ‬ومفاهيمها‭ ‬الأساسية‭ ‬مرتبطة‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بإنسانيتنا‭ ‬وعلومنا‭ . ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬متخصصون‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ … ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الثقافة‭ ‬موضوع‭ ‬اهتماماتهم‭ ‬طيلة‭ ‬حياتهم‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬يحققوا‭ ‬التكامل‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي‭ ‬واستعادة‭ ‬التوازن‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الليبي‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬تضارب‭ ‬في‭ ‬مصالحنا‭ ‬وقيمنا‭ ‬وغاياتنا‭ ‬لمجتمع‭ ‬مترابط‭ .‬
وجود‭ ‬المثقفين‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬شرط‭ ‬من‭ ‬الشروط‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬مساعينا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ثقافي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬قيمنا‭ ‬وعقيدتنا‭ ‬واهتماماتنا‭ ‬ومصالحنا‭ ‬المزيج‭ ‬الذي‭ ‬تموج‭ ‬به‭ ‬حياتنا‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الهرطقة‭ ‬والزندقة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬الآن‭ ‬ونتخلص‭ ‬من‭ ‬المركَب‭ ‬الغربي‭ ‬المعقد‭ ‬الذي‭ ‬نسميه‭ ‬ثقافة‭ ‬كالفن‭ ‬والبرامج‭ ‬المرئية‭ ‬المقلدة‭ ‬الوضيعة‭ ‬وتفشي‭ ‬التخنث‭ ‬والفساد‭ ‬الخلقي‭ ‬باسم‭ ‬اكتشاف‭ ‬المواهب‭ ‬والإمكانيات‭ ‬الصوتية‭ ‬،‭ ‬تدهور‭ ‬مستويات‭ ‬ثقافتنا‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬مشاكلنا‭ ‬وأزماتنا‭ ‬وهزائمنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحاور‭ ‬الحياتية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬السياسية‭ ‬وما‭ ‬يقوله‭ ‬عنها‭ ‬قانونياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لرصد‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬وإبرازها‭ ‬وتوضيح‭ ‬مصادرها‭ ‬ومغزاها‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تدعمها‭ ‬والمسلمات‭ ‬الغربية‭ ‬النثنة‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬لتكون‭ ‬بؤرة‭ ‬اهتمامات مؤسساتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬بعد‭ ‬صقلها‭ ‬وتأهيلها‭ . . ‬كلما‭ ‬تضاءلت‭ ‬ثقافتنا‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬صراعاتنا‭ ‬المتمخضة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الضآلة‭ ‬وتعددت‭ ‬وتجددت‭ ‬حتى‭ ‬تنطمس‭ ‬علاقتنا‭ ‬وارتباطنا‭ ‬بعقيدتنا‭ ‬ويزيد‭ ‬حجم‭ ‬حجب‭ ‬العلاقة‭ ‬فيما‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬الأجدر‭ ‬والأفضل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الدينوية‭ ‬وتزيد‭ ‬الأضداد‭ ‬اتساعاً‭ ‬كعلاقة‭ ‬الفرد‭ ‬بالجماعة‭ ‬وبين‭ ‬الخاص‭ ‬والعام‭ ‬وبين‭ ‬الحرية‭ ‬والسلطة‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬اعتقاداتنا‭ ‬وقيمنا‭ ‬غير‭ ‬جديرة‭ ‬بأن‭ ‬نخلص‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬ندين‭ ‬بها‭ .‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى