الدينية

فيض من الرحمات

فيض من الرحمات

(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) النساء:147  إنسابت كلمات هذه الآية إلى مسمعي بهدوءٍ لا يُضاهى.. وكأنني أسمعها لأول مرة؛ فأدمعت عيني وأيقظت في قلبي نبضاً اشتقتُ له، وجلستُ أتأمل معناها.. يا الله!.. ما أرحمك بنا (إن رحمتي تغلب غضبي) حديث قدسي صحيح  قال تعالى: (فاللَّهُ خَيْر حِفِظًاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ(، يوسف:64  (وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِنَا يُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلامّىَّ ) الأعراف:156 ،  157(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون( الزخرف: 22  (ورحمة ربك خير مما يجمعون).

رحمة الله تعالى في الدنيا تشمل المؤمن والكافر، وينالها الصالح والعاصي، أما رحمته في الآخرة فهي مختصة بالمؤمنين الطائعين فقط، والمؤمن حينما يستشعر معنى هذا الاسم في قلبه فإنه يفيض بالرحمة لجميع خلق الله تعالى فيرحم الكبير ويعطف على الصغير، ويرق قلبه بالرحمة والعطف على الفقراء والمحتاجين، فيساعدهم وتمتد رحمته إلى الطير والحيوان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء، يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) أخرجه البخاري.

كم مرة يسّر لنا الله عز وجل طاعة ً؟

وكم مرة عسّر علينا معصية وأبعدها عنا؟

كم مرة كان بيننا وبين الموت بضعة شعيرات فأنجانا برحمته؟

كم مرة ابتُلينا بكربٍ عظيم لم نعلم الحكمة منه إلا بعد سنوات؟

كم مرة يسّر الله عز وجل لنا سبُلاً لأمور ٍ كنا نشعر أنه يستحيل علينا تحقيقها فأتانا التيسير من حيث لم نحتسب..؟

كم مرة سمعنا أو قرأنا عن قصة رجل أخّره نومه عن موعد الطائرة فغادرت المطار قبل أن يصل.. فحزن لذلك واشتد همّه فإذا به عند المساء يسمع خبر سقوط تلك الطائرة التي كان سيستقلها؟

كم مرة سمعنا قصصاً مشابهة لتلك القصة التي تتجلى فيها رحمة الله جل في علاه، ولطفه بنا..؟

كم مرة سمعنا عن خطبة شابٍ وفتاة انتهت لسببٍ مفاجئ لم يفهم كلا الطرفين مغزاه إلا بعد فترة من الزمن..

فحمدا الله أن أنهى أمرهما وأبدلهما خيراً وإلا كانت حياتهما ستصبح بحراً متلاطم الأمواج..؟

فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.. الحمد لله على نعمة الرحمة التي يغمرنا بها جل في علاه..

فيضٌ من الرحمة واللهِ نعيش فيه يا أخواتي .. فهلا استشعرنا هذه الرحمات التي تحيط بنا وشكرنا هذه النعمة؟

والكون كله يشهد بذلك..

فمن رحمة الله عز وجل بنا أننا لا نرى الجراثيم والبكتيريا وإلا لأصبحت حياتنا لا تُطاق..

ومن رحمة الله عز وجل بنا أننا لا نسمع الأصوات العالية جداً والتي يبلغ ارتفاعها : 16000 هرتز.. وإلا لتسبب ذاك الارتفاع لآذاننا بفقدان السمع..

ومن رحمة الله بنا أن لم يجعل كل أعمال المؤمن تنقطع بعد وفاته.. بل جعل الدعاء والصدقة تصلان ميزان حسناته..

فتكون له رحمة من الله جل في علاه.. وبنفس الوقت تكون سلواناً لمن فارقه من أهله وأحبابه.. تثلج صدورهم وتشعرهم بشيء من الاطمئنان على من فارقوا..

ومن رحمة الله عز وجل أنه يرسل لنا رسائل بسيطة المبنى عظيمة المعنى .. تهز كياننا وتغيّر مجرى حياتنا من الخطأ إلى الصواب وتوقظ نفوسنا الغافلة..

فمن تلك الرسائل: موت قريب أو صديق .. حادث .. خبر مؤثر .. كلمة نسمعها في محاضرة.. والكثير الكثير من الرسائل الربانية التي تصلنا فتحدث نقلة نوعية في حياتنا.. حتى همومنا وجراحنا ما هي إلا هدايا القدر .. أرسلها لنا الله عز وجل لكي تكون كفارة ً لذنوبنا في الدنيا..

ولـولا هــدى ربنــا واليقـيـن *** لضاعت زهــور الجـراح سـدى

جــراحـي ومــاذا تكـون الجـراح *** أليسـت جراحي هدايـا القـدر؟

إذا ما ارتضيـت يــطيــر الجنــاح *** يـكحــل بالنــور عـيـن القمــر

لك الحمد في الليل حتى الصباح *** لك الحمد في الصبح حتى السحر

جراحــي وما لي جراح ســوى *** ذنـوبـي فكيـف أداوي الـذنـوب؟

لو تأمل كلّ منا ما حوله لوجد رحمة الله عز وجل تحيط به من كل جانب..

سبحان من أجرى لهاجر زمزما بين الرمال القاحلة.. سبحان من ساق الهداية لأهل سبأ من خلال هدهد.. سبحان الرحمن الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى