كتاب الرائ

غسان في الميزان!

عماد العلام

قبل سنتين ونصف طلب الدكتور غسان سلامة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لقاءً ودياً بعدد من الصحفيين والكتاب والمثقفين ومسئولي بعض وسائل الإعلام المحلية، ضمن سلسلة لقاءاته بعدد من فئات المجتمع الليبي من سياسيين ومسئولين في الحكومة ومدراء بعض المؤسسات السيادية وكذلك أمراء مجموعات مسلحة وأعيان بعض المدن والقبائل، كان ذلك بعد ثلاثة أشهر تقريباً من استلامه لمهامه رسمياً كمبعوث سادس للأمم المتحدة في ليبيا، وكنت أحد المدعوين مع عدد من الزملاء لهذه الجلسة الودية بقصر الملك.

الهدف من اللقاء كان واضحاً حيث أعلنت مديرة مكتبه منذ البداية “أن الدكتور غسان طلب لقائكم ليستمع لكم ويعرف وجهات نظركم حيال ما تمر به بلادكم”، فتحدث كل الحاضرين من الزملاء عن المشهد الراهن وقتها واتفق الجميع رغم اختلاف انتماءاتهم وأفكارهم، على رؤية تكاد تكون متطابقة وهي بضرورة استثمار الزخم الشعبي الذي رافق تشكيل حكومة الوفاق الوطني من أجل عبور المرحلة الانتقالية وتجاوز احباطات الانقسام والنزاع والحرب!

لقد كان غسان سلامة الذي لم يقاطع أحداً، هو أخر المتحدثين، وحديثه لم يكن إلا وصفاً دقيقاً لما صدمه عند لقائه ببعض الفئات الأخرى قبلنا وخاصة نواب البرلمان وأعضاء المؤتمر الوطني الذين أصبحوا بعد اتفاق الصخيرات مجلس الدولة، تكلم كثيراً عن حواره المطول معهم، لكن جملة مازال صداها يرن في أدني ” لم أجد أحدا من الطبقة السياسية المسيطرة يحدثني أو يسألني عن مستقبل البلد أو سبل عبوره أزمته، كانوا لا يسألون إلا عن مناصبهم وأجسامهم السياسية وآلية بقائها “.

أتذكر أن المبعوث الأممي قال أيضاً إن عملية تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع وإفقارها يتم بسرعة رهيبة في وقت ينشغل هؤلاء الذين يرفضون ترك مناصبهم أو التزحزح عنها رغم أنهم باتوا الجزء الأكبر في المشكلة، بالتمترس على حساب معاناة أبناء هذا الشعب الذي لا يستحق هذه المعاملة!

قد بدأ لي بكل أمانة يومها ومن اللحظة الأولى أن هذا المبعوث الأممي الوحيد الذي دخل مباشرة في مواجهة وبدون مقدمات مع الطبقة السياسية التي لم تتعود من المبعوثين السابقين غير المداهنة وعبارات المجاملة والترضية و”الطبطبة”!!

الخلاصة وبعد الجدل الذي يدور حالياً حول غسان سلامة الذي طالب مؤخراً بإعفائه من مهامه، بين من يشيطنه وهم كثر وبين من يرى انه قدم كل ما يستطيع في بيئة لا تحكمها قواعد اختلاف واضحة ولا رؤية ثابتة ولا خصومة شريفة وهم قلة!

تبقى أسئلة مشروعة لكل من أراد قراءة المشهد بعيداً عن العاطفة وبمنأى عن الاستجابة لأدوات التحريض وأبواقه، لماذا يشتم الطرفين سلامة الآن؟؟ هل هو فعلاً بهذا السوء؟ وهل يمكن ان يكون هذا دليل كافِ على عمله بمعيار واحد في الاتجاهين؟

أخيرا.. أعتقد إن من يختبئ وراء الأجسام الدائمة الجاثمة على صدور الليبيين هم أكثر سعادة من غيرهم بمغادرة سلامة اتفقنا حوله ام اختلفنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى