كتاب الرائ

القضية الفلسطينية وخطر الانقراض – 1

بقلم خليفة الرقيعي

الحلقة الأولى

الكثير من المثقفين والسياسيين العرب يعتقدون بأن ابتلاء الأمة العربية ، وبالأخص القطر العربي الفلسطيني ، مرده إلى سياسة أنظمتها  السياسية التي وصفت من قبل هؤلاء ، بأنها  الطابع الاستبدادي وتفتقد إلى ادنى مستويات الأسس الاستحقاقية في ممارسة السلطة وشاركت الغرب في استنزاف ثروات شعوبها وفشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أدنى أنواع الانتقال الإيجابي إلى الأحسن .

ويؤكد هؤلاء المثقفين والسياسيين في عدد من أطروحاتهم بأن المستقبل العربي مرهونّ على ضرورة وجود تحولات سياسة وثقافية واجتماعية تحول دون هيمنة هذه الأنظمة على السلطة والثروة لأن السلطة المطلقة لهذه الأنظمة هي التي قادت شعوب الأمة إلى مرحلة الشيخوخة والعقم الحضاري والابتعاد على كل أنواع التحولات العلمية والحضارية التقدمية مما يكرس في الأمة التخلف الشامل بكل جوانبه الحياتية وتفاقم إحساس شعوبها بالإحباط وفقدان القدرة على محاكاة المستقبل ومتطلباته .

ويستدل هؤلاء بأن النظرة الإدراكية لدور هذه الأنظمة تتحقق من خلال تقييم الصراع العربي – الإسرائيلي حرباً وسلماً .. لأن هذا الصراع في حقيقة الأمر يمثل النوايا والاستراتيجيات المشتركة بينها وبين الغرب والصهيونية العالمية وهذا الدور هو الصورة المثلى التى توحي بتوافق هذه الأنظمة مع العدو على حساب شعوبها وبالأخص شعب القطر الفلسطيني العربي المغتصب .

وتطور هذا الدور حتى أصبح دوراً مقروضاً كما يقترض تحالف الفروع مع الأصول وإن كان ذو الطابع السري أكثر من العلني . وأصبح هذا التحالف المعبر لتمرير التآمر الغربي – الصهيوني ضد الأمة ابتداءً من احتلال فلسطين وانتهاءً بالربيع العربي الذي يمثل ، بالدرجة الأولى ، مشارف انقراض حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية .

تجلت بدايات هذا الانقراظ في غياب الاهتمام الجاد والجدير بالتقدير لكل الأنظمة العربية الحالية نحو الصراع العربي – الإسرائيلي – وهذا بالطبع ليس افتراض وإنما وفقاً لنتائج المسح الاجتماعي والاتجاهات الاجتماعية المستفيضة من عدد كبير من خبراء السياسة والاراء العامة على مستوى العالم العربي قاطبة والتي تمثل أقرب خريطة ممكنة لواقع هذه الأمة في وضعها الحالي وبعد ما يعرف بالربيع العربي . لقد فقد الصراع الرؤية العربية المتجانسة وكل البقية الباقية لكسب أدنى درجات التوازن فيه وهي تعتمد ولا تزيد عن إمكانيات وتقيمات تعاطفيه – معظمها غير عربية – وليست محصلة لرؤية عربية تتباين فيها مستويات الولاء وجدية هذه الأنظمة نحو القضية الفلسطينية .

ولكناً وللأسف ، لم يعى هؤلاء المثقفين والسياسيين العرب بعد دور الغرب في وجود هذه الأنظمة أصلاً . بعضها لا يزيد عن واجهة محلية وحلقة من حلقات استراتيجيات الغرب وأساليبه الجديدة … وأغلبها أكثر تعقيداً وأكثر احتكاراً وقسوة من الغرب نفسه ، ولكن ليس من الإنصاف القول بأن كل الأنظمة العربية وراء ما أصاب هذه الأمة من جمود وذبول وتخلف ودمار ، بل على العكس من ذلك فقد كانت بعضها ، وإن قلت ، جرا صلداً وشامخاً ضد المخططات الغربية بالمنطقة ونجحت ، على الصعيد الرسمي على الأقل ، في إقامة بنيان تشريعي ومؤسسي للعمل الوحدوي العربي المشترك على مستويات لا يجوز الاستهانة به .

ولكن كانت ومازالت هناك عوامل عديدة قلصت من نجاحات هذه الأنظمة من بينها عوامل دولية ذات العلاقة بأطماع الغرب واستراتيجياته وأخرى إقليمية ومحلية ذات علاقة بالتطورات التي طرأت على الخريطة السياسية العالمية وخصوصاً بعد انتهاء وغياب الاتحاد السوفيتي سابقاً والاستفزاز الغربي بالمنطقة ولم تكن هذه الأنظمة على مستوى الأدوار التي تبنتها لمناظرة الغرب والتصدي لمخطاطاته بالمستوى المطلوب .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى