كتاب الرائ

الرعاية الصحية الآمنة وسلامة المرضى

د. علي أبوقرين

تواجه الأنظمة الصحية تحدي كبير وهو الضرر الذي يقع على المرضى بسبب الرعاية الصحية الغير امنة ، والذي يعتبر السبب الرئيسي للوفاة والعجز .
في الوقت الذي يمكن تجنب تلك الأضرار والتي تعرقل التغطية الصحية الشاملة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، مع زيادة الأعباء المالية التي تقع على عاتق الضحايا وعائلاتهم مما يؤدي الى إنخفاض أو انعدام الثقة في النظم الصحية .


( موت وعجز وخراب ديار )


وتنعكس هذه النتائج سلبيا على الأطقم الطبية والطبية المساعدة . لهذا وجب وضع سلامة المرضى في أولى سياسات القطاعات الصحية ، وإتباع نهج إستراتيجي لسلامة المرضى ، والعمل على معالجة الأسباب الشائعة للأضرار ، وإيجاد طرق وأساليب الوقاية منها .
حيث إن سلامة المرضى هي إطار متكامل من الأنشطة التي تخلق بيئات وثقافات وسلوكيات وتقنيات وإجراءات في الرعاية الصحية تقلل من المخاطر بشكل مستمر ومستديم للحد من حدوث الأضرار وأثارها التي بالإمكان تجنبها وتفاديها ..
إن حجم مشاكل الرعاية الصحية الغير آمنة كبيرة ومكلفة لانها تهدد أعداد كثيرة من المرضى بالوفاة والعجز وهذا ما تقر به الدول المتقدمة في تقاريرها السنوية ، والتي لها أنظمة صحية قوية ومؤهلة وبها أكبر الجامعات والاكاديميات ومراكز البحوث والدراسات وتملك القدرات العلمية والفنية والإدارية والطبية المؤهلة ، وهي التي تملك الصناعات الدوائية المتقدمة وتكنولوجيا التجهيزات الحديثة والمستلزمات الطبية المتطورة ، وتستحوذ على بنى تحتية صحية ممتازة جدا تتوفر بها كل ما هو يتماشى مع أعلى المعايير الصحية العالمية ، ويعمل بأنظمتها الصحية أكثر من 80 % من ماهو متوفر عالميا من القوى العاملة الصحية المدربة والمؤهلة بأرقى الشهادات العلمية .
وجميع مقدمي الرعاية الصحية ملتزمون بالحفاظ علي سلامة المرضى من خلال الممارسة في اطار القواعد الأخلاقية ، ومنهم من يعمل دوماً على تقدير نطاق المخاطر وحجم الضرر الذي يمكن تجنبه والوقاية منه ومعالجته ، والذي ينشأ بشكل يومي وعلى مدار الساعة داخل كل نظام رعاية صحية ..
فما بالك بالدول منخفضة ومتوسطة الدخل ،أو التي لها أنظمة صحية هشة وضعيفة ، وبنى تحتية صحية متهالكة في مرافق محورة او قديمة ، وكوادر طبية متواضعة في أعدادها وقدراتها ، وتعليم وتدريب طبي لا يرقى للتطور العلمي في التعليم والتدريب ، وتستخدم في معظمها تجهيزات طبية قديمة ومستعملة ، وتصان بقطع غيار من أجهزة مخردة ، ولا تخضع في مجملها لبرامج المعايرة الصحيحة ، ولا تطبق حتى أدنى المعايير الصحية ،
وتعاني من تزايد الأدوية والمستلزمات المغشوشة والزائفة ، أو عدم مراعاة المعايير الخاصة بسلاسل الإمداد في التوريد والتخزين والصرف والمداواة ، وتعاني من هجرة كوادرها المؤهلة . ومالديها من قوى عاملة صحية نفسها تتعرض لمخاطر وأضرار صحية ونفسية ، وكذلك تعاني في بعض الأحيان من السلوكيات السلبية من بعض المرضى وذويهم كالاعتداءات على الأطقم الطبية ،
والقوى العاملة الصحية بطبيعتها مرهقة ومجهدة ومتعبة من العمل الذي يفوق قدراتهم في رعاية أعداد كبيرة من المرضى ، وساعات العمل الطويلة أو الركض بين المؤسسات الصحية العامة والخاصة ، أو بين الخاصة والخاصة ، وتفتقر جميعها لفرص التعليم والتدريب المستمر وتنمية المهارات والقدرات المهنية ، ويلجأ بعضهم للحصول على مؤهلات غير معتمدة ومن مصادر غير معروفة..
مع معاناة معظم الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل من فشل التعليم في مواكبة التطورات التكنولوجية والعلمية للرعاية الصحية الآمنة ، وعدم وجود مناهج دراسية متخصصة وقصور في إلمام هيئات التعليم بتعليم سلامة المرضى ، وكذلك إحجام بعض المؤسسات الأكاديمية عن تدريس ماهو خارج التخصصات السريرية ، وحيث إن نقص الوعي للمفاهيم الإنسانية لسلامة المرضى ليس بالضرورة عدم تعاطف مقدمي الخدمات الصحية وانما قد يكون ناتج عن قصور في برامج التعليم الجامعي والدراسات العليًا والتعليم والتدريب المستمر الذي في مجمله يركز على المرض وطبيعته وغير مهتم بجوانب السلامة والتدريب على العوامل البشرية مثل فن التواصل مع المرضى والاستماع اليهم ..
ومعظم الثقافات السائدة لسلامة المرضى هي ثقافة اللوم والعقاب التي تؤدي الى إخفاء الأخطاء وعدم الالتزام بها .
إن النقص في القوى العاملة الصحية والذي تعاني منه معظم الأنظمة الصحية في العالم وجميعها تحتاج على الأقل مضاعفة أعداد الأطباء المؤهلين من جامعات معروفة ومعتمدة ، والحاجة لزيادة كبيرة في بعض التخصصات الطبية ، وكل الأنظمة الصحية دون إستثناء تحتاج لأضعاف أضعاف ما موجود الآن من التمريض والفنيين في كل التخصصات ، والتركيز على رفع الكفاءة والقدرات والتدريب المستمر ، وزيادة الوعي بأهمية سلامة المرضى وذويهم .
لأن النقص في القوى العاملة الصحية له تأثير على الإنجاز والقدرة والوقت والكفاءة ويؤثر على سلامة المرضى والعاملين الصحيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى