كتاب الرائ

صورة وتعليق ( 15 ) –

سالم الوخي -

صورة وتعليق ( 15 ) –
سالم الوخي –

لازلنا في هذه الإطلالة الثقافية ، مع تداعيات أول تسونامي في تاريخ العلاقات بين المسلمين والمسيحيين ، مقتبسا مصطلح تسونامي الياباني الشهير ، لوصف الأعاصير والعواصف الدينية المسيحية الهوجاء المعروفة بالحروب الصليبية .
تشير الجولات الـ8 لهذه الحروب إلي العداء المزمن الغربي المسيحي للشرق الإسلامي الذي صبغه الكاتب والشاعر والروائي البريطاني ” ردياردكبلنغ 1865 – 1936 ” ، بألوان الديمومة والثبات في إلغاء معلن للحوار والتعايش السلمي ، حينما قال : ( الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا … ) ، في علاقة عدائية وضع أسسها وشرع أبواب بداياتها الغرب الصليبي ، لاتزال سارية المفعول لم تطالها عوامل وقوانين التغيير الحادثة بالكون .
ما شاهدناه مؤخرا وبكل أسي ، بنيوزيلندة من مذبحة بشعة داخل مسجد ” كرايستشيرش ” ، خلال أداء المسلمين لصلاة الجمعة ، يعتبر نتيجة وحشية ، لداء معاداة الإسلام ، وإعلان صريح بأن الذات الدينية المسيحية لم تبرأ منه ، وأن دعاة العنصرية اليمينية المسيحية المتطرفة ، في عراك متواصل بأسلحتهم المفلولة مع حضارة يمثلها الإسلام العظيم بعمقه العقلاني والحضاري .
ويمكن إدراج هذا الحادث الإرهابي ، ضمن جولات الحروب الصليبية وصدام الحضارات ، وننقل عن الكاتب الفرنسي المعاصر ” آلانغريش ” في كتابه ” الإسلام والجمهورية الفرنسية والعالم ” أن المستشرق الأمريكي ” برنارد لويس ” المسئول الأول عن بلورة نظرية صدام الحضارات ، وذلك منذ عام 1964 ، مُفندا القول الشائع بأن ” صموئيل هنتغتون ” ، صاحب هذه النظرية عام 1994 التي وفرت غطاء إيديولوجيا لليمين المسيحي المتطرف في عدائه للإسلام .
وعند فحص الخلفيات الإجتماعية والتاريخية لدوافع ما اقترفه الإرهابي منفذ مذبحة مسجد كرايستشيرشبنيوزيلندة التي راح ضحيتها 50 شهيدا مسلما داخل حرمة المسجد ، نلمس بذور الصدام بين الغرب والشرق ، ومزاعم عنصرية لاتستقيم علي قدمين وتحمل في أحشائها ذيول الحروب الصليبية ، وآراء ” الألماني الفرد روزنبرغ 1893 – 1946 ” ، أحد مُنظري الحقبة النازية الهتلرية.
وفي تمركز حول الذات العنصرية ، يطالب روزنبرغ ، بإعادة كتابة تاريخ العالم ، وتفسير التاريخ استنادا الي مفهوم الصراع بين الأجناس وخاصة صراع الجنس الآري ، ضد ” الأجناس الأدني ” علي حد تعبيره .
ويزعم النازي روزنبرغ : ” أن انحطاط الحضارة ليس إلاّ ثمرة اختلاط الآريين مع أجناس أدني منهم ” علي حد قوله.
واختلق جملة من الذرائع الأسطورية شكّلت أساسا إيديولوجيا للإمبريالية الألمانية المفتوحة شهيّتها للتوسع والأبطرة والعدوان ، فكانت فكرة المجال الحيوي للعنصرية النازية والتمييز والإضطهاد ووأد الحرية والعقل .
ولا أبتعد عن فحوي موضوعنا اليوم في الكشف عن بذور وتداعيات الحروب الصليبية ، حينما أقول أن ظاهرة الإستشراق ، وحمولاته وشحناته السلبية عن الإسلام ، تتضمن منحي الغزو الديني المسيحي ” التبشيري ” ، حاضنة بصمات قساوسة الكنيسة الأوروبية ، وأشير في هذا الصدد الي دراسات المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد ( 1935 – 2003 ) في كتابه الشهير ” الإستشراق ” حينما قرأه بإنّه : ” نوع من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة حكم الغرب للشرق “…
ويسجل تاريخ الفكر الإنساني رد الفعل العربي البارز علي الإستشراق ، كان دعوة الي دراسة شرقية مناظرة ومقابلة للدراسات الغربية ، نادي بها المفكر اليساري الإسلامي المصري المعاصر الدكتور حسن حنفي ، وأصدر كتابا في تسعينات القرن الميلادي الماضي ، بعنوان ( مقدمة في علم الاستغراب ) …
وخلاصة القول ، فإن لوحة وصورة اليوم الحزينة ، مثالا لغشامة لغة القوة في ذروة المأساة المنافية للحق والمعادية للإنسانية ، حينما تحالفت مع ذهنيات التعصّب والعنصرية المتطرفة ، فأبعدت العقل ومنظومته التسامحية عن تفعيل سلطتهما وجدلياتهما مع الواقع والتاريخ لحساب اللاعقل ولغة وأدوات الإقصاء والعدوان ، وتماهي تنويم الوعي والتمترس بالقوة وسطوتها العمياء ، مع حالة الوضع الطبيعي البدائي والهمجية المطلقة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى