كتاب الرائ

نبض الشارع – لا نتائج جيدة دون تخطيط جيد !!

ادريس ابوالقاسم

نبض الشارع

         لا نتائج جيدة دون تخطيط جيد !!

ازدهار اقتصادي هنا وإخفاق هناك ؟ لماذا ينجح هؤلاء ولماذا يخفق أولئك ؟ سؤال قد نجد له عدة إجابات ، ستتركز جميعها حول حقيقة أن الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي عنصرين مهمين ، لهما دورهما الفاعل في الموضوع . إلا أن نظم الإدارة والقوانين المنفذة للسياسات الاقتصادية والتي بالضرورة لا تكون بمعزل عن السياسات الأخرى ولا عن أجندة قوانينها ، فالسياسات والقوانين هي التي تعطي المساحات المناسبة لعمل المؤسسات كالمصارف والشركات الخاصة ، وهي التي تحدد العلاقة بينها , وهي التي تؤسس لعلاقة مرنة بينها أو العكس ، وبطبيعة هذه العلاقة تظهر النتائج , فإن كانت العلاقة مرنة ومنفتحة وتعتمد المنهج العلمي المبرمج ستكون النتائج جد إيجابية ، وإن كانت العلاقة مليئة باللاءات والنواهي والتحفظات والانغلاق والتعاطي اللحظي ستكون النتائج غير فعالة .

   والمتتبع لمسيرة الصناعة الليبية المدعومة بخامات الطاقة التي هي ركيزة أساسية لكل صناعة ، يرصد حالة الاحتشام التي يشهدها قطاع الصناعة العام والخاص بعد سنوات ليست بالقصيرة من الاستقلال ، حدثت حركة صناعية محدودة خلال ثمانينيات القرن الماضي تحت مضلة القطاع العام جاء ت نتاج الدعم المادي المباشر من الخزانة العامة  لمجرد إظهار ليبيا في صورة بلد مصنع حتى ولو تكلفت وحدة السلعة المصنعة أضعاف أثمانها في السوق العالمي ، وهذا هو ما حصل بالضبط .. المصانع العامة تضخ إنتاجها في السوق بسعر مريح ومناسب للدخل العام للمواطن ، لكنه في حقيقة الأمر لم يكن سعرا حقيقيا ، ولذلك بمجرد أن رفعت الخزانة العامة يدها تعثرت المصانع العامة إلى أن توقفت عن الإنتاج نهائيا ، وفي نهاية المطاف جرى تخريد بعضها ، والبعض الآخر لم يجد من يجازف بشرائه نتيجة الحالة المتدنية التي أمسى عليها .. بدأت مرحلة وانتهت بعد أكثر من ثلاثة عقود دون أن يتحقق من ورائها استثمار في العنصر البشري ، حيث لم يتأهل سوى عدد يسير من العاملين في الصناعات الغذائية تحديدا !!

   وللاقتراب من هذه الإشكالية بشكل أكثر وضوحا سنأخذ ” سنغافورة ” مثالا , فهذه الدولة الصغيرة التي تتكون من مدينة واحدة لا موارد طبيعية تذكر لها ولا عدد كبير من السكان ، ومع ذلك فهي الآن واحدة من أغنى بلدان العالم من حيث دخل الفرد . مثلما هناك دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحولت من بلد صحراوي صغير إلى مركز مالي عالمي . وينطبق هذا القياس على دول عديدة أخرى كاليابان وسويسرا والدول الإسكندينافية ، وكذلك الحال بالنسبة للبرازيل .

وهذا بالطبع لم يأت نتاج الصدفة أو ضربات الحظ بل نتاج سياسات منتقاة، تركزت بشكل كبير على تشجيع الأعمال وإدارة عامة سهلت تنفيذها .

   إن نجاح الاقتصاد مرهون بنجاح منظومة الإنتاج والتي تشكل الصناعة أحد أركانها ، لذلك لابد من تشجيع الاستثمارات الداخلية وسن وتفعيل القوانين والإجراءات التنظيمية التي تتسم بالفعالية والمرونة، تجعل إجراءات إنشاء الشركات وإنجاز التعاملات بسيطة وسلسة ، وهنا لا نستطيع تجاوز أحد أمثلة السياسات المشجعة للأعمال التي تقدمها العديد من بلدان وسط وشرق أوروبا والمتمثلة في خفض معدلات الضرائب على الشركات |، وهو الإجراء الذي كان سببا رئيسا في جذب استثمارات خارجية مباشرة واسعة النطاق .

   وهناك أيضا استحقاقات أخرى  مثل الطرق عالية الجودة والمواصلات العامة ومختلف أنواع البنية الأساسية .مثلما لسياسات التعليم الفعالة أهمية في لعب دور رئيسي في تحسين الأداء الاقتصادي للدول ، حيث من المؤكد أن الدول ذات التعليم الجيد على كل المستويات تجني منافع اقتصادية ملموسة.

إن سوء تخطيط السياسات العامة  يفضي إلى ركود اقتصادي وهجرة للموهوبين ، ومتى كان تخطيط تلك السياسات معمقا ودقيقا كان النمو الاقتصادي في أفضل مستوياته .

 

ادريس ابوالقاسم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى