كتاب الرائ

هل استُبدلت الحرب العسكرية الثالثة بأخرى بيولوجية ..؟

وفاء دوزان

تساءلت فيما سبق عن احتمالية استبدال مصانع الأسلحة والمعدات العسكرية بمختبرات طبية سرية تعمل على تصنيع الفيروسات ليتم توظيفها في حروب بيولوجية ضد دول معينة ..؟ ما جعلني أتسأل هو أن الأسلحة البيولوجية لا تعد وليدة هذه اللحظة ولكن أساليبها فيما سبق كانت بدائية ، حيت انحصرت في نقل المصابين بأمراض معدية إلى أراضي العدو أو إلقاء جثث الحيوانات المتعفنة أو جثث الموتى في مصادر مياه العدو بهدف تسميمها ، ولم تتوقف الأساليب والممارسات البدائية عند هذا الحد فخلال الحرب العالمية الأولى والثانية شهد العالم تطور تقني بيولوجي ملحوظ حيث استخدم الطاعون والجدري كآلة حربية بيولوجية إلى جانب الهاون والهاوتزر كما أن نتائجهم الفتاكة سبقت البانزر والتايغر ، يذكر أن خلال الحرب العالمية الثانية قامت اليابان بقصف الصين ببراغيث مصابة بالطاعون، وتعد هذه الضربة من أذكى وأبشع الضربات الجوية حيث أنها تصنف كأكثر تأثيرًا وأرخص تكلفةً . كذلك قام البريطانيين بنشر وباء الحصبة بين الهنود الحمر الأمر الذي أدى إلى مقتل الملايين من السكان الأصليين في أمريكا وذلك من خلال إهداء بطاطين إلى زعيم قبيلة هندية تم جلبها من مستشفي متخصص لعلاج الحصبة .
لا يمكننا الحديث عن الحروب البيولوجية والتطور الكيمائي واستخداماته في الحروب دون التطرق لذكر الوحدة 731 التي أسسها الجيش الإمبراطوري الياباني عام 1936 والتي كانت تعرف بإسم  “دائرة كيمبايتاي السياسية ومختبر أبحاث الوقاية من الأوبئة الياباني” بالنظر للإسم نجد أن هذه الوحدة كانت سلاحاً قوياً للوقاية من الأمراض المعدية والأوبئة ولكن الواقع ومسيرة عمل الوحدة يثبت عكس ذلك ، حيث كانت تعمل كمختبر سري لتطوير الأسلحة الجرثومية المحظورة دوليًا، كما أنها أجرت العديد من التجارب والأبحاث الكيميائية لتصنيع أسلحة جرثومية وكان ذلك خلال الحرب اليابانية الصينية والحرب العالمية الثانية ، كما أنها سعت إلى ضرب الولايات المتحدة بها .
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود القوتين المنتصرتين  ” الاتحاد السوفييتي ، الولايات المتحدة الأمريكية ” وتحديدًا منذ اندلاع الحرب الباردة التى جعلت من حلفاء الأمس أعداء اليوم أو لنقول منافسي اليوم ، تراجعت الآلة العسكرية لحد كبير حيث لم تعد جُل الحروب معلنه بل أصبحت خفية تتمثل في حرب الجواسيس وحرب الوكالة . ومما سبق يمكننا القول أننا لا نستطيع أن نجزم أن الحرب العالمية الثالثة ستكون حرب بيولوجية لا عسكرية ، ولكن بالاستعانة ببعض المحللين والمهتمين بالجيوستراتيجية وعلى رأسهم الأستاذ ” نزار جدلي” المؤرخ العسكري المختص في الحرب العالمية الثانية والمهتم بالعلاقات الدولية و علاقتها بالعقيدة العسكرية يؤكد أن ما يحدث اليوم هو ليس حرباً عالمية بيولوجية ثالثة بقدر ما هي رجّة بيولوجية تهدف إلى إعادة رسم خارطة أوروبا من جديد ، إذًا هي رجّة بيولوجية وأفشلت وأفلست العالم و لربما هيئة العملاق الصيني للزحف نحو أوروبا ، هل لنا أن نتوقع إن كانت حرب بيولوجية كيف ستكون في ظل التقدم التقني والتطور العلمي في علوم الفيروسات والوبائيات ..؟!  وفي ظل تقهقر الإنسانية وتفشي الصراعات المذهبية والحروب الأهلية ..؟
لطالما كانت أسباب الضربات الجرثومية متعددة ولعلى أهمها إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية ولكن اليوم الأهداف تجددت وتطورت حيث أن الهدف الأساسي من الضربات الجرثومية أضاف أهداف جديدة غير الخسائر البشرية والاقتصادية ، فكما يقول المؤرخ “نزار جدلي” أن الضربة الجرثومة الحديثة هي وسيلة لضرب الديمغرافيا بدرجة أولى يليه الاقتصاد ويعزز ذلك بتفسير ما يحدث الآن للصين و إيران و ايطاليا حيث أن الصين منافس صاعد و إيران منافس نووي في منطقة حساسة و للحد من تدفق الهجرة عبر ايطاليا ، إذاً الهدف الأساسي هو تغيير خرائط و موازين قوى و إعادة إنتاج تحالفات جديدة يكون فيها مضاد الفيروس وسيلة ضغط .
هنا يكمن التساؤل الأمثل هل هناك احتمال لتطور الضربة البيولوجية إلى  ضربة نووية و مايجعل هذا الاحتمال ممكناً هو تعزيز الرئيس الأمريكي لترسانة النووية الأمريكية وما كان على روسيا إلا أن ردّت بالمثل، إذاً هي الحرب وما أن نشبت فلا صوت يعلو فوق صوت الأفكار البشعة .
أخيرًا .. ما أود التنويه عنه هو استبعاد فكرة إنتهاء حروب الهاون والهاوتزر ، وتنصيب فكرة عودة جولات البانزر والتايغر وأعلل ذلك بجملة أن الحروب العسكرية لا تنتهى حتى وإن تباطأت الدول الأوروبية بإستخدمها فهي لم ولن تتوقف عن تصديرها إلى دول لم يعد الجيش الوطني الشرعي هو المحتكر الوحيد على السلاح فيها فمنذ سنوات والجميع يستمع لعزف الكاتيوشا من خلال راجمات الصورايخ ” أرغن ستايين ” في العديد من الدول العربية التى تطلق على هذا السلاح إسم ” غراد” وهو سلاح يستخدم منذ الحرب العالمية الثانية و لايزال يعد من أكثر الصواريخ المستخدمة عسكريًا في الحروب والنزاعات العربية الحالية ، نظراً لمداه القصير ولفعاليته التدميرية، ولسعره غير المرتفع ، حيث جرى تصديره إلى دول وتشكيلات عسكرية عدة وهيّ تقوم بتطويره والتعديل فيه ليتوافق مع احتياجاتها ، ولعل هذا تفسير مبسط لجملة أن الحروب العسكرية لا تنتهي حتى وإن تباطأت واستبدلت بأخرى بيولوجية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى