كتاب الرائ

من ينظم العِقد المُنفرط ؟

■ فيصل الهمالي

منذ أن رُسمت لبلادنا ولأول مرة حدودها الجغرافية المعروفة اليوم ،  وصارت مستقراً لفئات من البشر، كانوا قداندمجوا على ارضها  ليشكلواعبر السنينهوية اثنية واحدة ، أهلتهم للعيش جنباً إلى جنب يجمعهم مصيراً واحد؛ وهي في حالة مستمرة من التقلبات والمتغيرات السياسية بمختلف مستوياتها ، فما أن تحظى ببعض الاستقرار نسبياً ، يمنح أهلها بعضاً من الوقت للململة شتاتهم وامتلاك زمام أمرهم ، حتى تباغثها عاصفة أخرى من الأزمات تضرب بكل مساعي بناء الدولة فتجعلها هباءً منثورا .

وعلى مر التاريخ لم يألوا شركاء الوطن جُهداً في الذود عن حياضه، والوقوف صفاً واحداًأمام العواصف الرامية للنيل منه ، إلا أن هذا الصف غالباً ما اظهر بعض الضعف في لبنة من لبناته، تسللت خلاله سهام العاصفة  ، فتناثر البنيان وتشتت إلى رُكمٍ ضعيفة ، تداريها الرمال تارة لتظهرها الرياح تارة اخرى ، وبين ظهور واختفاء ينهمك صانعوا تلك الأعاصير خلف الستار، في وضع خططاً أخرى للبناء وفق رؤاهم  .

ومرة أخرى يتعمد الصناع إعادة تدوير بقايا تلك اللبنات الضعيفة أو وضع خامات بنفس المواصفات ، لتوظفها بشكل أو أخر ضمن جدرانه الداخلية والخارجية، ليصنع منها نقاط ضعف مركزية، يوجه لها أعاصير التغيير مستقبلاً، متى شاء أن يسقطه دون عناء، وتكرر الهدم والتشييد، وتعددت الطُرز المعمارية ، إلا أنها بنفس الاسلوب، وبذات الأبعاد والرؤى والمقايسات.

وللأسف الشديد، لازلنا نجهل مهارات هذا النوع من الهندسة السياسية، فبالرغم من كل ما مررنا به من تجارب هدم وشتات، كان سببها الأساسي التعصب للرأي ومحاولة فرضه على الجميع بشتى الوسائل، إذ يرى كل قسم من لبنات هذا البناء أنه الأصح والأقوى، بخلاف البقية وعليهم ان يتخذوا منه الأساس المتين، ما أنتج حروباً ضارية وعداوات تمتد آثارها لعقود طويلة، ليجد الصانع ذاته في كل مرة الفرصة سانحة للتدخل بأسلوب مختلف، بعد اقناعنا أنه الوحيد القادر على نظم عقدنا المنفرط، مدعياً الحياد.!

اليوم نقف على موعد جديد أمام مسؤولية تاريخية، ليست كسابقاتها، تتجدد فيها الفرصة وقد تكون الأخيرة لتجديدالبناء، وفق منظورنا وبحسب احتياجاتنا، بخارطة تنسجم مع هويتنا وثقافتنا الليبية، تحافظ على خصوصيتنا، وتحمي مقدراتنا، وتستعيد سيادتنا، ولن ننجح في تحقيق هذه الغاية إلا بتقديم التنازلات ونبذ الآناء والولاء لحزب أو قبيلة أو تيار بعينه، فكل هذه المسميات التي وضعها ذاك الصانع من خلف الستار لتشكل الأن في هذا الظرف الاستثنائي اللبنة الأضعف التي سيهدم بها البناء متى أراد، فهل سننجح يا ترى في اختيار صانع مستقلٍ من بني جلدتنا تلتف وراءه سواعد الوطن لبنيان مرصوص لا ضعف فيه، وعقد منتظم لا انفراط بعده؟ بيدنا صنع المعادلة وتحديد الناتج، فلنكن بحجم مسؤولية وطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى