كتاب الرائ

متى ينصلح حال الإدارة ؟

إدريس أبوالقاسم

متى ينصلح حال الإدارة ؟

إدريس أبوالقاسم

بعد سنين طوال من التخرج من الجامعة والابتعاد عن المدرجات , فجأة ذكرني زميل عزيز بالعمل بتلك الحكاية التي سردها  لنا أستاذ الإدارة الفاضل –  د . مسعود الباروني , متعه الله بالصحة –  ذات يوم دراسي منها بقسم الاقتصاد بجامعة طرابلس في ثمانينيات القرن الماضي  , للاسترشاد بها كونها تعبير نموذجي حي عن ماهية الإدارة العلمية وإيجابية تأثيرها في إنجاح المشروع .

الحكاية كانت عن ذلك العجوز الذي وجده مدير إحدى الشركات الصناعية اليابانية الكبرى ذات صباح وهو ينظف بكل حماس وجدية لوحة إعلانية تقبع وسط إحدى الطرق بكم قميصه !! .

بقية الحكاية تقول أن مدير الشركة الذي كان في طريقه إلى مقر عمله استوقفه ذلك المشهد , ولم يقدر على تجاوزه إلا بعد أن يعرف سر هذا العجوز , الأمر الذي أضطره إلى التوقف رغم أهمية الوقت بالنسبة إليه وللشركة التي يديرها , والذهاب إلى حيث يوجد ذلك العجوز سائلا إياه عن سبب تطوعه الذاتي لتنظيف هذه اللوحة الإعلانية بالذات رغم وجود لوحات أخرى لشركات أخرى ليست بعيدة عنها .

وهنا سمع المدير من ذلك العجوز ما لم يكن يخطر له على بال .. لقد قال العجوز أنه فعل ما فعل ولازال يفعل بسبب حبه العميق للشركة صاحبة الإعلان الوارد في اللوحة , ولم يملك المدير إزاء هذه الإجابة إلا أن يسأله عن نوع السلعة التي جعلته يحب الشركة , ليتفاجأ المدير بإجابة أخرى بسيطة .. كلها يا سيدي .

ولم يقدر المدير على الاكتفاء بالإجابات التي سمعها منه , ليلح عليه توضيح الأمر , فقال العجوز ” أن هذه الشركة كانت ذات يوم هي حياتي بل الهواء الذي أتنفس , لقد كنت أحد العاملين بها لسنوات طويلة رأيت خلالها كل خير , فهي التي فتحت لي بيت , وهي الذي مكنتني من الزواج وتكوين أسرة , وهي التي بفضل إدارتها الحكيمة أصبحت أنا والكثير من زملاء العمل نشعر بأن الشركة جزء منا ونحن جزاء منها , لم ينفصل كلانا عن الآخر إلى أن أزف موعد التقاعد الذي لا مفر منه , ومع ذلك لازالت الشركة تتذكرني قي المناسبات وأعياد رأس السنة , لذلك يا سيدي  لم أقدر على نسيان  أجمل شيء في حياتي .

وها أنا وجدت نفسي منساقا لسردها لكم , ليس لأن نهايتها تقول أن المدير الذي عرَف بنفسه وبصفته الوظيفية قد أمر بتكريم العجوز في حفل بهيج مع صرف راتب شهري من غير معاشه التقاعدي , ومنحه قطعة من كل مُنتج جديد للشركة من قبل أن يُطرح في السوق تقديرا لوفائه للشركة التي كان يعمل بها , بل لأني أحلم كما يحلم غيري من الليبيين الذين لا تزيد أحلامهم عن أحلام العصافير بأن ينصلح حال الإدارة في البلاد  ولو بقدر يسير ، ليس لأجل أن تتحق مثل هذه الحكاية, التي تبين التأثير الإيجابي الفعال للإدارة المنظمة المبنية على أسس علمية تحسب حساب كل كبيرة وصغيرة وتضخها في مصلحة المشروع , بل لأجل أن يشعر المواطن الليبي بالتقدير والاحترام الذي تفرضه حقوق المواطنة لا أكثر ولا أقل .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى