كتاب الرائ

ليبيا في اليوم العالمي للسرطان

د.علي المبروك ابوقرين
في 4 فبراير من كل عام لأكثر من عقدين والعالم يجدد التزامه بزيادة الوعي بقضايا السرطان ، وهذا العام هو العام الثالث والأخير من حملة سد فجوة الرعاية واتخذ هذا العام شعار معاً نتحدى من هم في السلطة ..
والسرطان يمثل تحدي صحي كبير وخطير ، وعبء على الفرد والمجتمع والنظم الصحية ، وللأسف معدلات الإصابة بأمراض السرطان في تزايد مستمر ، وعلى سبيل المثال في أفريقيا تشهد 1.1 مليون حالة سرطان جديدة كل عام ، و 50% من حالات السرطان الجديدة تتركز في الثدي وعنق الرحم والبروستاتا والقولون والمستقيم والكبد ، والمتوقع مليون حالة وفاة سنويًا ، وتعاني القارة من معدلات البقاء على قيد الحياة من السرطان 12% أقل بكثير من متوسط اكثر من 80% في البلدان ذات الدخل المرتفع ، وليبيا الآن الأقرب للمجتمعات الفقيرة وذات الدخول المتدنية ، وعلى الصعيد العالمي هناك 19.9 مليون حالة جديدة واكثر من 10 مليون وفاة من السرطان سنويًا وسوف يزداد عبء السرطان 60% تقريبا على مدى العقدين القادمين مما سيزيد من اجهاد النظم الصحية والناس والمجتمعات ، فما بال البلدان التي لديها نظم صحية هشة وضعيفة ومفتتة كما هو الحال لدينا ..
أمراض السرطان الشائعة بالإمكان الوقاية منها أو من معظمها والسيطرة عليها بتنفيذ إستراتيجيات طبية وصحية قائمة على الادلة العلمية للوقاية من السرطان والفحص والكشف المبكر والعلاج المتقدم الحديث والرعاية التلطيفية المتكاملة ، وللأسف بلادنا تعاني من تفاقم عوامل الخطورة المسببة لأمراض السرطان ،كالتدخين المباشر والمفرط في السجائر والشيشة والسجائر الالكترونية ، والتدخين السلبي الذي تتعرض له كل الناس في الشارع والبيوت وأماكن العمل والدراسة والأسواق ، ولا يوجد أي حظر صارم على المنتجات التي تحتوي على التبغ وتولد انبعاثات ..
والثلوث البيئي الملحوظ مع تكدس النفايات المنزلية والصناعية والأنشطة الاقتصادية والمستشفيات مع غياب تام لفرز وجمع ونقل ومعالجة علمية صحيحة وصحية لها ،
وكل أنماط الحياة لمعظم الناس مخالفة للإرشادات والتعليمات الصحية ، مع إغراق الأسواق بالأغذية والأدوية المغشوشة والفاسدة والضارة بالبيئة والصحة ، وعدم وجود شبكات مراقبة لجودة الهواء ، ولا للمياه الصالحة للشرب والزراعة ، ولا للانشطة الاقتصادية التي تستخدم مواد مسرطنة ، ولا توجد منصات وشبكات للمعلومات والبيانات التي توضح للناس ذلك ، وعدم توفر مساحات للرياضة والمشي بالمجتمعات السكنية ، وعدم توفر أماكن مخصصة للرضاعة الطبيعية في الأسواق وألاماكن العامة ، وعدم توفر مياه صالحة للشرب لعامة الناس وفي المتناول ، ولا وجود لحظر حقيقي للإعلانات عن السجائر والسجائر الإلكترونية وبدائل حليب الأم ، وعن الأطعمة والمشروبات الغير صحية والتي للأسف نجد الترويج لها حتى بالإذاعات المسموعة والمرئية من خلال برامج متعددة ، وعدم الالتزام بالملصقات التحذيرية عن التبغ والمواد التي تحتوي على التبغ والسجائر الالكترونية والأغذية والمشروبات الغير صحية ، عدم وجود برامج عامة للحد من التعرض لأشعة الشمس بما في ذلك خلو الأماكن العامة والشوارع من اي تصميمات تحمي السكان من أشعة الشمس وخصوصا في أوقات الذروة ، وعدم وجود إجراءات وبرامج للحد أو التحذير من الاستخدام الداخلي للفحم والحطب في الطهي والتدفئة ،
وعدم وجود سياسات وإجراءات صارمة لمنع بيع الأدوية بدون وصفات طبية صحيحة وفق المعايير والشروط للوصفات الطبية ، وخصوصًا لأدوية المضادات الحيوية وبدائل الهرمونات لانقطاع الطمث وغيرها ..
ولا توجد أي برامج حقيقية للكشف المبكر عن أورام الثدي وعنق الرحم وعن القولون والمستقيم والبروستاتا وأمراض الكبد لكل الفئات العمرية وفق بروتوكولات وتوصيات منظمة الصحة العالمية ، والهيئات والمؤسسات العلمية الدولية المعنية بأمراض السرطان .
لا توجد سجلات وطنية لأمراض السرطان وأنواعها وأسبابها وتوزيعها الجغرافي وتأتيراتها الديموغرافية..
ولا توجد برامج تواصل واتصال وتعليم وإرشادات ومشورة رسمية ومتاحة للجميع وتحت اشراف الصحة والقطاعات المنوطة ، لتشجيع التغييرات السلوكية لتجنب الكثير من المخاطر المسببة لأمراض السرطان..
ولا توجد سياسات وبرامج صحية وطنية بشأن فحص وعلاج ومتابعة عدوى الهليكوباكتر البيلوري ، ولا لالتهاب الكبد الوبائي B و C .ولا لفيروس الورم الحليمي البشري ، ولا توجد برامج وطنية بشأن استخدام بدائل الهرمونات أثناء انقطاع الطمث وتحديد الجرعات ونظام العلاج ومدته .وكذلك لا توجد برامج منفذة للوقاية التانوية لسرطان القولون والمستقيم وفق الأدلة العلمية الحديثة عن طريق اختبار الدم الخفي البرازي والتنظير ..ولا يوجد برامج معتمدة ومنفذة للفحص والتشخيص المبكر للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بسرطان الثدي ..
أمراض السرطان مرهقة للفرد والأسرة والمجتمع وللنظام الصحي والدولة ، ورحلة طويلة تبداء من الشك للتشخيص والعلاج والمتابعة والتأهيل ، والسرطان قضية انسانية تمسنا وتخصنا جميعًا ، وكلنا مسؤولين دولة ومجتمع وفرد عن خلق بيئة تدعم وتشفي وتجعل من كل خطوة في رحلة السرطان التزام الجميع بالرعاية والرحمة وتوفير احدث السبل والتقنيات الحديثة في التشخيص والعلاجات المتقدمة والمتطورة والناجعة.
نسأل الله ان يعجل بالشفاء لكل مريض..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى