كتاب الرائ

صورة وتعليق ( 3 )

سالم الوخي

صورة وتعليق ( 3 )

سالم الوخي

نواصل لقاءاتنا في فضاءات الفكر العربي الإسلامي ، ونعيد باختصار قراءة بعض أحداثه السجالية ، ونبقي في ذات المجال الزمني ، أي ماقبل عصر النهضة العربية الثانية المؤرخة في القرن الـ19 ، مع صراع الذات والآخر ، بمعني صدام الأنا مع الآخر الثقافي والاجتماعي والديني ، بعد إطلالتنا علي لحظات من الإشتباكات الفكرية من داخل الإسلام القويم ، أي من داخل الأنا العربية الإسلامية ..

فقد تعرض الأفق الفكري العربي في تلك الفترة المبكرة من عمر الحضارة الإسلامية الرائدة الي هجمات من خارج الذات ، مصدرها مواقع تمحورت في ايديولوجيا ( العقل المستقيل ) ، وفق التعبير أو التشخيص المبتكر للمفكر المغربي المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري ( 1936 – 2010 ) ، في دراسته عن بنيان وتكوين العقل العربي .

وتبلورت هذه الاقتحامات في الأفلاطونيات المحدثة وغير المحدثة والفيثاغوريات والهرمسيات من التنجيم وضروبه وغلاته ، القادمة من بلاد فارس ومابين النهرين والشام .
كما تعرّضت المواقع الفكرية العربية آنذاك الي هجومات من رواد الفلسفة العقلانية اليونانية – نقيض الهرمسيات والباطنية – من المشائين وأصحاب الرواق والعقل الكوني الأرسطي ..
كذلك سجل تاريخ الفكر العربي حضورا لظاهرة الإستشراق المتعلقة بدراسة الشرق الإسلامي وحضارته من قبل الغرب ، غير أن وجهات نظر الباحثين والمفكرين لاتتفق بشأن بدايات تلك الظاهرة ، وتذهب إلى تحديد فترة وحقبة زمنية ، وليس إلى تحديد سنة بعينها لبدايتها .
الاّ أن بعض الآراء تقول أن الرهبان والقساوسة قصدوا الأندلس الإسلامية إبان عظمتها ومجدها ، وتثقفوا في مدارسها ، وترجموا القرآن الكريم والكتب العربية إلى لغاتهم ، وتتلمذوا على علماء المسلمين في مختلف العلوم ، وبخاصة في الفلسفة والطب والرياضيات.
وضمن هذه اللوحة ذات اللون الاقتحامي السجالي ، تم رصد أول مناظرة علنية في الإسلام بين الثقافة اليونانية ، وبين الثقافة العربية التقليدية ، جرت في القرن الرابع الهجري ببغداد ، بين الفيلسوف والعالم المنطقي ، ( نسبة الي المنطق ) متـّى بن يونس ( 870 – 939 ميلادية ) المسيحي الديانة ، والعالم اللغوي العربي المسلم أبي سعد السيرافي النحوي ، نسبة الي النحو ( 284 – 368 هجرية ) ، معبّرة عن تصادم الفلسفة والمنطق ، مع اللغة العربية والنحو العربي ، وردت المناظرة في كتابات المفكر الإسلامي أبو حيان التوحيدي ( 922 -1023 م ) ، وسجلتها عرضا ونقدا وتحليلا أغلب الدراسات الفكرية المختصة .

ولا أخرج عن سياق الموضوع والموضوعية ، حينما أقول بأن ما لخصته وعرضته أراه دليلا جديدا ، بأنّ العقل والتراث العربي نالا – حسب معطيات عديدة – قصب السبق في تهيئة المناخ التعددي الفكري ، منحازا للحرية الإنسانية .

وضمن هذا الإطار نستدل بنص دلالي ، نحته أمير البيان العربي عمر بن بحر المعروف بـ( الجاحظ ) 159 – 259 هجرية ، يقول : ( إذا تقلدت الأخبار عن خصمك ، فحطه كحياطتك لنفسك ، فإن ذلك أبلغ في التعليم ) .

العديد من الكتابات تستشهد بقول مماثل للمفكر الفرنسي المعروف ( فولتير 1694 – 1778 ) ، في حين أن الجاحظ أسبق منه بقرون مع اختلاف المنطلقات الإيديولوجية والتموضع من التاريخانية …

المقصد الجاحظي ، يدعو الي نبذ الإقصاء الفكري ، مفترضا تلاقحا وتزاوجا وانطلاقا للفكر الإنساني الخلاق ، وبعثا مستأنفا له ، لأن التاريخ يصب في نهر التعددية الفكرية الملتزمة ، ويقنن التطوّر الحتمي للفكر ، وتحكمه جدلية النقد والنقد الذاتي ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى