كتاب الرائ

صورة وتعليق ( 14 ) –

سالم الوخي -

صورة وتعليق ( 14 )
سالم الوخي

القارئ والمتفحص لأثار ومواقف الإمام أبي حامد الغزالي الفكرية ، تفاجئه غزارة مؤلفاته ودراساته المتباينة بين الصوفية ، والمقطوعة الصلة بها ، والتي تطرقنا إلي بعض منها ، والمنتمية لمخرجات العقل العربي الجامد ، تخلو منها الفضاءات المحسومة لديها أسئلة النهضة والتقدم ، بعد أن انتزعت الإجابات عليها ، خلال معارك فكرية وسياسية وتغييرية كبيرة .
غياب ضرورة الجهاد والكفاح ضد الحملة الصليبية الأولي عن فكر الغزالي تدرج ضمن الأثار والتموضعات المواكبة لمسيرته ، فقد أضرب عن الدعوة لقضية الحرية الإنسانية بالإنعتاق من الأجنبي ، ولم يصدر نداءات لمقارعة الغزاة الصليبيين ، مبتعدا عن بذل أي جهد فكري يحرّض علي الجهاد ، رغم امتلاكه صولجان العلم وتبوأه مكانة سامقة بين جهابذة العلم وقادة الرأي العام النافذين..
لا ينسجم موقف الغزالي الصامت مع الذود عن العقيدة الإسلامية والتحرر من عبودية التسلط الأجنبي ، خاصة بعد أن أخرج الفلاسفة من آفاق المسموح الي زنزانات المحظور ، وطردهم من المظلة التصوّفية التسامحية ، ورصد ما وصفه بتهافتهم ، وزجّ بهم داخل أتون الإقصاء الفكري ، مقتصرا علي استحضار الجهاد ضد الفلسفة والفلاسفة ومخاصمة مناخات التعددية الثقافية….
ومما يلفت النظر ، مشاركة محي الدين بن عربي ، وعمر إبن الفارض ، في هذا الصمت المريب ، وهما صوفيان إسلاميان بارزان في تاريخ التصوّف الإسلامي كانا شاهدي عصر بعض الحملات الصليبية التي وصل عددها الي ثماني .
يستدعي الأمر إلقاء حزمة من الأضواء النقدية علي علاقة المتصوّفة بموضوع الجهاد الذي تعتبره إحدي الدراسات الدينية المصرية المعاصرة ، ( الفريضة الغائبة ) ، حسب وجهة نظر واضعها الشيخ محمد عبد السلام فرج ..
كتاب ( الفريضة الغائبة ) مشهور في التاريخ السياسي والفكري العربي ، لم يقتصر الإهتمام به علي تيارات الإسلام السياسي ، بل امتد الي الساحات الفكرية والسياسية العربية والإسلامية والدولية ، وأثار صدي وجدلا بين مؤيد ومعارض ، منذ صدوره في سبعينيات القرن الميلادي الماضي .
الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ، شيخ الأزهر الأسبق ، في كتابه ( نقض الفريضة الغائبة ) ، رفع الراية الحمراء ضد اجتهادات وآراء مؤلف كتاب ( الفريضة الغائبة ) الذي ارتبط بأحداث سياسية مفصلية في مصر والعالم العربي والإسلامي ، أبرزها إغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في 6 أكتوبر عام 1981 المعروف في الأدبيات السياسية والإعلامية ، بحادث المنصة المجسد للعلاقة المتأزمة بين السياسي والديني في العالمين العربي والإسلامي ، وعنوانا الكتابان يفصحان عن مضمونهما …
نبقي مع متابعة الأصداء السلبية للحروب الصليبية المنتجة للأسئلة الباحثة عن أسباب بقاء الإحتلال الصليبي جاثما ، في بلاد المسلمين سنوات طويلة من عام 1099 الي عام 1187 ميلادية ، حينما رصد التاريخ الإسلامي تقاعس وغربة الوعي ، والإفتقار لإرادة صلاح الدين الأيوبي التحريرية .
مغزي قصة القاضي السوري أبوسعيد الهروي المعاصر لبدايات الحروب الصليبية ، حينما سار ممتطيا أقدامه من دمشق لبغداد طوال ثلاثة أسابيع صيفية تحت أشعّة الشمس المحرقة ، ليست تسوّلا للعطف ، بل احتجاج علي الصمت العربي المهين حيال استمرار احتلال الصليبيين للقدس الشريف .
الكاتب اللبناني المعاصر أمين معلوف في كتابه ( الحروب الصليبية كما رآها العرب ) ، سرد قصة الحروب الصليبية كما رويت تفاصيلها في الجانب العربي ، معتمدا على شهادات المؤرخين والإخبارين العرب في تلك الآونة.
ويبدو أن تعبير حروب صليبية مستحدث ، إذ ينقل معلوف بأن المؤرخين والإخبارين العرب في تلك الفترة ، لا يتحدثون عن حروب صليبية ، بل عن حروب أو غزوات إفرنجية . وهذه وجهة نظر يري المؤلف أنها ” أهملت حتى الآن ، عن الحروب الصليبية ، وعن هذين القرنين المضطربين الحادي والثاني عشر الميلاديين اللذين صنعا الغرب والعالم العربي ولا يزالان يحددان حتى اليوم علاقتهما ” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى