كتاب الرائ

صورة وتعليق ( 12 ) –

سالم الوخي -

صورة وتعليق ( 12 )

سالم الوخي

نواصل متابعة بعض ارتدادات الهزات الفكرية التي أثارها الإمام أبوحامد الغزالي في التاريخ والواقع الإسلامي ، موجها ضربات رسخت الساكن والمتغيّر ، تمظهرت خلالها ثنائية الجمود الذهني الكامل ، والنسق الفكري التوفيقي المتردد المرتعش المكبّل في جدلية بطيئة مرتبكة الإيقاع للحظات النكوص والتقدم ، المتناحرة والملتصقة بمسيرة الحياة العربية والعقل العربي ..
اليوم نفحص ملامح تداعيات تحريمه وحظره الفكر الفلسفي ، ضمن العلاقة المتوترة بين الشريعة والفلسفة ، أو بين الأصالة والمعاصرة بالمفهوم الحديث .
نعم ، الغزالي ، وجّه ضربات موجعة للنظر الفلسفي العربي ، لايزال يترنح منها ، أسقطته في حلبة صراعات الفكر الإنساني ، ولم ينهض منها الي يوم العرب والمسلمين هذا ، سددها ، وبقفازات نقدية وبرهانية من داخل البيت الفلسفي والأصولي .
هجوم الغزالي الفكري علي الفلسفة ، لا يرتدي ثياب العرفانية أو البيانية ، وفق تصنيفات المرحوم الدكتور محمد الجابري الناقد الأبرز لمكوّنات العقل العربي ، في علاقة تضاد مع النزعة الصوفية التعددية التسامحية ، وانسجام مع الدوغماطيقية وسيفها الباتر للفكر والخطاب المخالف .
عندما نتوقف برهة أمام تعريف الفلسفة ، فقد عرّفها الباحثون بأنها أم العلوم وحب الحكمة الباحثة عن معني الوجود ، والمتأملة خالق الكون وعظمته ، وبذلك يعتبر العقل الإنساني عظيما وتساؤلاته نقدية مفتوحة نابذة التوكيد التفسيري الجزمي تتجلي فيها قدرة الخالق عز وجل المطلق الإرادة…
وعرّفوا الفلاسفة ، بأنهم الباحثون عن الحقيقة ، بتأمل الوجود فجعلوا حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة ، والحكمة هي المعرفة القائمة علي التأمل ..
تاريخ الفلسفة يشير بأن الفيلسوف اليوناني فيتاغورس ( 570 – 495 ق. م. ) أوّل من وصف نفسه فيلسوفا ، وحاز قصب السبق في وضع معني محدد لكلمة الفلسفة ، عندما نسب إليه القول بأن صفة الحكمة لاتصدق علي أي كائن بشري إنما الحكمة لله وحده .
لذلك قال فيتاغورس عن نفسه بأنه ليس حكيما بل محبا للحكمة وحسب ، أورد ذلك سقراط ( 470 – 390 ق.م ) في محاورة (الفيدون ) ، مؤكدا بأن الحكمة لاتؤتي إلاّ للآلهة أما البشر فيكفيهم محبّتها . علي أن أفلاطون ( 428 – 348 ق.م ) المؤسس الأول للمذهب المثالي الفلسفي ، سبق وأن أسبغ علي الفلسفة معني فنيا محددا حينما وصف الفيلسوف بأنه شخص يركز اهتمامه علي الحقيقة وليس علي المظهر ..
هذا من حيث الاشتقاق أما من حيث الأصل ، يقول أرسطو ( 384 – 322 ق . م .) الرائد الأول للمذهب المادي ، بأن الفلسفة نشأت من الدهشة وحب الاستطلاع .
ونعود للحديث عن العلاقة بين الفلسفة والشريعة في الفضاءات الإسلامية بعد الغزالي ، فقد كانت ولا زالت شائكة ودقيقة متفجرة ، لذلك يتحاشي ويتجنب كثير من الباحثين ولوج ميدانها ، لما فيه من شرر متطاير وعراك متواصل ، وأن الوصف الأصدق لهذه العلاقة – في ظل الأوضاع الفكرية والاجتماعية السائدة – أراه في المواجهة وليس الحوار..
كتب ومجلدات التراث تعّج بأخبار التجاذبات بين الفلاسفة وعلماء الدين المخاصمين للفلسفة التي حملت إسم علوم الأوائل ، أو علوم القدماء ، أثر مصافحاتها الأولي للمسلمين بعد الفتوحات الإسلامية .
و لعل ما كتبه الباحث المصري الدكتور المرحوم أحمد أمين في موسوعته الإسلامية وأنقله بتصّرف ، زبدة وخلاصة الموقف الفكري الإسلامي من الفلسفة ، حينما ، قال : ( حكماء المسلمين انقسموا في موضوع الشريعة والفلسفة الي ثلاثة أقسام ، فأكثر فلاسفة المسلمين كإخوان الصفا وابن سينا وابن رشد رأوا أن يوفقوا بين الفلسفة والشريعة ، فإذا رأوا نصا في الدين ظاهره لايناسب النظريات الفلسفية ، أوّلوه تأويلا قريبا أو بعيدا ، وبعضهم كالغزالي رأي أن ما أتت به الشريعة حق وما أتت به الفلسفة مما يخالف الشريعة باطل ، وقسم ثالث رأي أن النظريات الفلسفية صحيحة وتعاليم الدين صحيحة كذلك والتوفيق سخافة ، وإنما الواجب أن يكون لكل منطقة نفوذ .)…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى