كتاب الرائ

الحوكمة الصحية

د.علي المبروك ابوقرين
الحوكمة مصطلح حديث على اللغة العربية تماشيًا مع العولمة..
والحكامة أو الحاكمية او الحسبة الصحية هي مراقبة الأنشطة من خلال المنظومة الصحية ومتابعة اداء القائمين عليها وفق الإجراءات والعمليات المعتمدة رسميًا لتعزيز وحماية صحة المجتمع والتي ترتبط بشكل مباشر او غير مباشر بمحددات الصحة والوضع الصحي وتشمل كل القطاعات الصحية وغيرها التي تؤثر على صحة الناس لضمان الحصول على رعاية صحية آمنة وفعالة وناجعة وفي المتناول دون تأخير أو ضرر ملبية للتشريعات والقوانين والدساتير التى تعزز الحق في الصحة
، ولأن الصحة ضرورة إنسانية وحياة الناس لها قداستها وحرمتها ، ولا يجوز التفريط فيها ، أو إهدارها ، ومنذ أكثر من عشرة قرون نادى الإسلام بالصحة والعافية ، والتأكيد على نظافة الأبدان والبيئة ، والطعام والشراب ومنع انتشار الأمراض ، وأسس مفاهيم العزل والحجر الصحي ، وعدم الانتقال للأماكن المصابة ، أو عدم الخروج منها ، وأكد على مكافحة الحيوانات والحشرات والقوارض الناقلة للأمراض ، وشيدت المستشفيات ببلاد العرب والمسلمين ألف عام قبل الأوروبين وغيرهم من الأمم ، وشُقت الترع وتطهير مصادر المياه ، واعتُمد دور المحتسب والحسبة في مراقبة الأسواق والمهن ، ومتابعة الإجراءات الصحية التي تكفل الحفاظ على صحة الناس والبيئة ، وترجم المسلمون كُتب الطب والحكمة والكيمياء من اليونانية الى العربية ، ووزعت على الأطباء والدارسين لفنون الطب والصيدلة والمداواة ، والحسبة قامت بدور مهم في حفظ الصحة ، وحرصت على مراقبة ما يجب الالتزام به من أهل المهنة وأرباب الصنعة في كل ما يتعلق بحياة الناس ، وردع الخارجين عليها ، وكانوا المسلمين يشيدون المستشفيات ويزودوها بأمهر الأطباء ويجعلون عليها رئيسا يدير امورها ، ويوقف لها أجود الاراضي إنتاج للإنفاق على المستشفيات ، وكان منها المستشفيات الثابتة والمنقولة بين المدن التي ليس بها مشافي ، أو يظهر بها وباء أو لمصاحبة الحجيج ، والمستشفيات العسكرية المصاحبة للجيوش ، وكان منها مستشفيات عامة وتخصصية ، وجميعها مجهزة بالأدوية والمعدات الطبية وكل ما يلزم للمداواة ، ويتم إلزام الاطباء والمعالجين بتعلم مبادئ وأصول المهنة على يد الحكماء المعتمدين ، وقراءة كتب الطب الشهيره ومن لم يثبت تحصيله مافيها يمنع من الممارسة ، ويؤخذ من المجازين قسم أبقراط
والتعهد بعدم إعطاء المريض دواء ضارًا او مهلكًا ، وعدم اسقاط أجنة الحوامل ، وعدم إفشاء أسرار المرضى ، والحرص على الالتزام بالمبادئ الخلقية المتعلقة بممارسة مهنة الطب ، وبداء العرب والمسلمين بالعمل بالشهادات الطبية التي تجيز الممارسة للمهنة منذ أكثر من اثنى عشر قرنًا منذ 279هـ حين طلب الخليفة من رئيس الأطباء سنان بن ثابت إمتحان جميع أطباء بغداد ، وأمر المحتسب بعدم السماح بممارسة مهنة الطب إلا بعد إجتياز الامتحان ، الذي يتم تحت إشراف المحتسب ، وللمحتسب الأشراف على أعمال الأطباء والصيادلة وسلوكهم المهني ، ويراقب الأدوات التي يستعملها الطبيب ، ويتصدى للمخالفين ، وأعُطي الحق للمريض أن يستوثق من الطبيب هل أخد نفسه بالقبول من أفاضل صنعته وهل هو ملتزم واجباته ، ومنته عن ما ينهى عنه..
وكُلف الأطباء بكتابة الدواء للمريض ليحتفظ بها الأهل إذا سآت حالة المريض أو توفى ، لأهله مراجعة شيخ المهنة أو كبير الأطباء المعتمد لتبيان ماكان للطبيب يد فيما حصل
وإلزامه بالدية لسؤ عمله أو لإهماله ،
وكان للجراحين شروط للمزاولة ومنها المعرفة التامة بعلم التشريح ، وله الخبرة الكافية ، ومهارة الأنامل وقوة البصر والحالة النفسية ، والأدوات المستخدمة وشروط تتوفر في المريض والمكان ،
وهذا ماهو موجود الآن في المعايير والادلة الاكلينيكية لكل تفاصيل التفاصيل لمهنة الطب ، ولهذا الحوكمة الصحية مطلوبة لضمان تحقيق المحددات الاجتماعية والصحية ، وتحقيق التغطية الصحية الشاملة والعدالة والمساواة ، ولضمان تنفيذ التشريعات والقوانين المعمول بها في تنظيم العمل الحكومي والممارسة المهنية ، وهذا يتطلب مراجعة الهياكل التنظيمية للقطاعات وقطاع الصحة بالخصوص ، ومراجعة اهداف النظام الصحي ومكوناته والخدمات المقدمة في كل منها من التعزيز للتأهيل ، ومراجعة المعايير والادلة ، وإعادة بناءً النظام الصحي على أسس علمية سليمة ، لا نقص فيه ولا زيادة لوظيفة أو عمل أو نشاط أو أي عملية تشغيلية مخالفة للتشريعات وللقوانين والإجراءات والمعايير والمواصفات في كل النظام الصحي ، بما يضمن حصول كل فرد وكل مريض على الخدمات الصحية المتكاملة بالجودة العالية ، وتقدم بإمكانيات كبيرة وقدرات مؤهلة تأهيلًا عاليا ، وكل خطوة معلومة مدخلها ومخرجها وأهدافها ونتائجها وقياسها ، ومن يقوم بها وكيف ومتى وأين ، ولا مجال فيها للتأخير والاهمال والخطاء والتقصير ، ولا يؤتى منها ومن يقوم بها أي ضرر وضرار ، لأن صحة وحياة الناس الأهم في كل مناحي الحياة ، ومسؤولية الدولة والحكومات ، وليبيا ليست في حاجة للركض خلف مبادئ اقتصاد السوق والتكيف الهيكلي والسياسات الإصلاحية التي لا تخدم الا التوجهات التدميرية للقطاع الصحي ، وارتفاع معدلات الأمراض والوفيات، وتحويل صحة الليبين لسلعة للمتاجرة ، أو يتحول المرضى للتجارب ، وتتحول مهنة الطب الإنسانية لمنظومة أقتصادية للتربح ، والحوكمة الصحية هي أحد المكونات الرئسية التي ترسم السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يحدد الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد والمجتمع..
والحوكمة الصحيحة تساهم في إنشاء نظام صحي قوي وسليم لا شح ولا هدر فيه ، ولا تقصير منه ، وبها تستقيم الامور ، ويبقى الصالح ويستمر التطور بما يوفر الاحدث والاصلح والانجع ، ويتم الحفاظ على صحة الامة وتعزيزها ، والحفاظ على اموال الناس والدولة ،
الحسبة أو الحوكمة إحدى اليات تصحيح الممارسات ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى