كتاب الرائ

الحلم في مواجهة الواقع 2 – 2

محمد أبوالقاسم الككلي

الحلم في مواجهة الواقع 2 – 2

محمد أبوالقاسم الككلي

في بعض الأحيان يأخذ الحلم شكل مأساة لهزيمة الواقع والانتصار عليه، وعدم الاستسلام لمجرياته، وقد حفل الأدب بالكثير من الروايات التي عالجت هذه المسألة ‘
مكسيم جوركي ( 1936 -1868 ) مؤلف رواية الأم وبين الناس وجامعياتي جسد هذا النوع من الحلم في قصته ( ليزا ) الذي يبدو أنها حادثة شخصية ‘

يسرد جوركي القصة على النحو التالي :

( كان يقطن غرفة في بناء يسكنه العمال والفقراء، وكانت ليزا تحتل غرفة مجاورة، كانت سيرتها عرضة للاقاويل وسمعتها موضع شك وريبة، كانت وحيدة بعد ان هجرها الجميع ،تعيش منبوذة من جميع السكان ‘)

جوركي نفسه تحاشاها، رغم أن وضعه لا يختلف عنها كثيرا، فهو يعاني من الضيق والسام فى خريف يبعث على الضجر، ،وذات يوم شاهدها فبادرت بالابتسام له، تكررت اللقاءات والابتسامات، وذات يوم اعترضت طريقه وطلبت منه مساعدتها في كتابة رسالة إلى حبيبها بولس ‘.

توقفنا في استعراض قصة مكسيم جوركي ( ليزا ) عند طلب ليزا مساعدتها فى كتابة رسالة إلى حبيبها ( بولس ) ،لكن جوركي ردد بينه وبين نفسه قائلا : انها تسعى لايقاعي في شباكها ! فسارع إلى رفض طلبها، إلا أنه مع إصرارها والحاحها كتب لها الرسالة على مضض، جلس إلى الطاولة وأخذت تملي عليه كلمات رقيقة، رائعة تتناقض مع ضخامة جسمها وشكلها وحياتها البائسة، نادت حبيبها بألفاظ ( يا بلبلي ! ياحبيبي الصغير ! يا جميلي ! ) وبنفس رقة الكلمات كان الامضاء ( حبيبتك ليزا ) ‘

مقابل كتابة الرسالة وهو ما اعتبرته ليزا خدمة طلبت منه أن يسمح لها القيام بتنظيف غرفته وغسل ثيابه، ومع إصرارها كان جوركي يمانع، وقناعته تتعاظم بأنها تسعى للايقاع به، ولذلك ازداد نفورا منها، حتى كان يوم اعترضت فيه طريقه وطلبت منه أن يكتب لها رسالة أخرى، لكنه ابتعد عنها ودخل غرفته، لكنه لاحظ ان ليزا أخذت تبكي، والدموع تترقرق فى عيناها، عند ذلك شعر بالندم ووخز الضمير، وان تصرفه يفتقد اللياقة، ومضى إلى غرفتها قائلا إنه على استعداد لكتابة الرسالة وأمسك القلم وطلب منها أن تملي عليه ما تود قوله، ابتسمت وقالت له اكتب ( حبيبتي ليزا، يا حمامتي ! يا حلوتي ! ) حتى انتهت الرسالة، وجعلت الامضاء ( حبيبك بولس ) ‘
انتاب جوركي غضب عارم، بعد أن اكتشف اللعبة فصرخ في وجهها : من هو بولس هذا ؟ وكيف تسخرين مني؟ فاطرقت حزينة وفي خجل قالت ( في الحقيقة، لا بولس، لا ليزا، لا حب، أنني امرأة شقية، عرفت كثير من الرجال، واقمت علاقات مع الكثير منهم، ولكن ليس من بينهم حبيب، ولأنني اريد حبيب مثل سائر النساء فقد تعودت على كتابة الرسائل مني إلى بولس والعكس، واخترعت هذه الحيلة لاعزي نفسي وهذا كل ما في الأمر ‘

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى