كتاب الرائ

رموز ونجوم في سجل العمر (15) –

محمود السوكني -

رموز ونجوم في سجل العمر (15) – 

محمود السوكني –

العلاقة بيننا وبين جمهورية يوغسلافيا الإتحاديّةالإشتراكيّة في سبيعينيات القرن المنصرم كانت –كما أسلفت- جيّدة جداً مما دفع بالجانب الليبي إلى إرسال دفعات متتالية للدراسة في مدن يوغسلافيا في التخصصات الطبيّة والمدارس العسكريّة وركوب البحار بحكم الخبرة الواسعة ليوغسلافيا في هذا المضمار الذي إكتسبته من إطلالتها عبر حدودها الغربية على البحر الإدرياتيكي هذا الأمر إستدعى أن يكون هناك مكتباً عسكريّاً لتنظيم شئون الطلبة العسكريين ومتابعة دراستهم والإشراف على تواجدهم في الساحة اليوغسلاقيّة وبالمثل فإن بقية الطلبة المدنيين الموفدين في التخصصات العلميّة الآخرى لهم مكتب يرعى شئونهم ويتابع تحصيلهم العلمي يسمى الملحقية الثقافيّة (!) وهنا أجد من المناسب أن ألفت نظر القاريء إلى أن هذه الملحقية كغيرها من الملحقيّات (الثقافيّة) التابعة لمجموعة من السفارات الليبيّة و المنتشرة في العديد من دول العالم لاعلاقة لها بالمفهوم السائد للثقافة من فنون وآداب ومعارف ولكن دورها ينحصر في الإشراف والمتابعة للموفدين للدراسة فقط لاغير ! في تصوري أن التسميّة على هذا النحو لاتناسب هذا الشآنولاتتفق مع مدلولاته وكان يمكن أن تسمى الملحقيّة التعليميّة أو مكتب متابعة الموفدين أو ماشابه ذلك بعيداً عن حشر مصطلح الثقافة أو إقحام هذه المفردة في شآنلايخصها والإصرار عليه حتى يومنا هذا وهو ماشجّع الجهات المختصة بالثقافة وشئونها –لاحقاً وحاليّاً- إلى إعتبار هذه الملحقيّات (الثقافيّة) تابعة لها وتحت وصايتها ولها حق الإشراف عليها ! لمن قرأ مقال قديم لي نشرته في مجلة (المؤتمر) التي كانت تصدر عن مركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر تحت عنوان (سنوات الحبر) تحدثت فيه عن شدّة المعاناة التي كابدتها حتى تعطّف وتكرّم عليّ أستاذنا الجليل ” محمد الشاوش ” –غفر الله له- بنشر محاولتي الأولى في صحيفة (طرابلس الغرب) التي كان مديراً لتحريرها وكيف أنني –لصغر سني وقلّة خبرتي- حقدت على هذا الرجل حينها وحفظت له هذا الإرهاق النفسي الذي لم يفارقني وظل يسكن فؤادي حتى جاءت المناسبة لإفشائه والتخلص منه عندما وصلت برقيّة تفيد بقرب قدوم أستاذنا الجليل إلى (بلغراد) للمشاركة في معرضها الدولي ممثلاً للهيأة العامة للمعارض وقد كنت حريصاً على إستقباله لمكانته الرفيعة التي ظلّت محفورة في ذاكرتي ولأنه أول من اتاح لي فرصة النشر و.. لأن شيئاً ما في صدري آبى أن يظل حبيساً وأسيراً لظنونه و ( بعض الظن إثم ) . إستقبلت أستاذنا الفاضل بترحاب شديد وأنهيت إجراءاته كافة وأنتقلنا حيث مقر إقامته على أمل لقاءه في صباح اليوم التالي حيث جاء كعادته باكراً و وجدتها فرصة سانحة أن أفضفض وأبوح بما يعتريني من شعور أرغب صادقاً في التخلص منه حتى تظل مكانة الأستاذ في قلبي نقيّة شفافة خالية من الشوائب ، لم يتفاجأ الأستاذ الكبير بما قلت واستمع بكل حواسه وبإنصات وهدوء شديدين وإبتسامتة العذبة لم تفارقه ، وما أن انتهيت من هذه المهمة الصعبة منتظراً رد فعله حتى أخذ نفساً طويلاً من سيجارته التي لاتفارقه وقال في هدوء عجيب ووقار يليق بهامته ” كان إختباراً عسيراً ولكنه ضروري حتى اتأكد من حبك للمهنة ورغبتك في التعلّم وإستعدادكللإستمرار وها أنت ذا ملحقاً صحفيّاً في سفارة بلدك في دولة بمثل هذه الأهميّة أليس هذا دليلاً على نجاحك ؟” لم أجد ما أقول سوى أن اطبع قبلة الإمتنان على جبينه الناصع وأنا أزدهي طرباً بشهادته التي ستظل أبداً منقوشة على جدار القلب .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى