صدمة الكوارث وردة الفعل
.د.علي المبروك ابوقرين
الكوارث والأزمات تولد بمفاجآتها الغير متوقعة والمرعبة والمفزعة ، والتي تخلق المناخات المضطربة ، وردود الأفعال السريعة والعشوائية من هول الصدمة ، وأحيانا تكون لها المفاجآت المتوقعة أو المعروفة سلفًا ، ولكن لضعف الحال وعدم القدرة والإمكانات ، وانعدام الإرادة وتدهور الإدارة وغياب النظم ، وغلبة الفوضى وانهيار المؤسسات ، يؤدي لنفس نتيجة المفاجآت الغير متوقعة واسواء منها بكثير ، لأن التعامل مع الأزمات والكوارث يحتاج لمؤسسات فاعلة ، ونظم قائمة وإمكانيات متوفرة ، وعقول قيادية قادرة ، وقوى بشرية مؤهلة ومستعدة ، ووعي مجتمعي سائد ، وبنى تحتية متكاملة تتطور بشكل مستمر وتتماشى مع تطور الحياة ومتطلباتها ، كما هو الحال في اليابان والزلازل واوروبا والفيضانات ، والاقدار لا علاقة لها بالاختيار ، والعقل البشري يستطيع أن يخفف الأضرار ، ويطوع الطبيعية لخدمته ، وما حدث أخيرا في الشرق الليبي هو من المفاجآت المعلومة ، لأن الإعصار لم يأتي فجأة ، بل كنا نتابع قدومه على الهواء مباشرة ونعلم اتجاهه وقوته وساعة وصوله لأي مدينة ، وكذلك سدودنا نعلم ضعفها وهوانها وإنها تخطت زمانها ، ونعلم آن البناء في معظم مدننا خارج المخططات ، والتجريف متعمد ومتواصل دون رادع ، ومصادر وأبار مياهنا غير صحية ، وصرفنا كما مخلفاتنا مخالفًا للشروط الصحية والبيئية والحياة الإنسانية ، وهذا طبيعي لأن عجلة حياة الناس ورغباتهم واحلامهم أسرع من فكر الإدارة وامكاناتها إن وجدت ، والإنسانية تتمارى وتلاحق بعضها تطورا ، والفجوة تتسع بين الرغبات وتحقيقها والشؤون ومن يديرها ، ولهذا ضرب الإعصار المدن ودمرت السيول آراضي شاسعة وازالت أحياء بكاملها ولم يبقى لها أثر لا بشر ولا حجر ، وتقطعت أوصال المدن والاحياء ، ومن أراد العون لف رأس الرجاء ، ولولا الفزعة لكان الحال اسواء ، والحمدلله على كل حال, والتُقطت الأنفاس وأُتخذت كافة الإجراءات ، وتنادت أيادي الأهل والاشقاء والأصدقاء ، وتقاطرت المساعدات الفنية ، ولم يتأخر ليبي وليبية في الدعم والمساندة من أقصى الوطن لأقصاه ، بوازع ذاتي وإمكانيات فردية بالمال والجهد والاشياء العينية ، وتجاوزت الإدارة صدمتها الأولى ، وستظل المناطق المتضررة لأعوام طويلة تعاني تبعاتها ، وبالنسبة لمدينة درنة الزاهرة المكلومة وجوارها ضرورة استمرار عمليات البحث عن الضحايا ، وأن تسابق الزمن لأنها على أبواب الأجواء المتقلبة الممطرة والرياح الشديدة مما يعوق أعمال البحث ، مع المعوقات الموجودة في طبيعة السواحل الصخرية ، والمليئة بالكهوف ، والمغطاة بالمخلفات التي جرفتها السيول ، وهذا يحتاج الى تسخير عمالة مدربة أكثر ، بمعدات وآليات متعددة وعديدة مختلفة ، وقد تتناقص فرص العثور على أحياء ، ولكن من المهم والضروري جدًا إخراج المتوفيين والتعرف عليهم ودفنهم بالطرق المعتادة وإتاحة الفرصة لذويهم بتشييعهم وتقبل العزاء في فقدهم ، والحرص على توديعهم بما يحفظ كرامتهم …
والوضع الصحي في مأمن طالما الاحياء المتضررة خالية من السكان ، ومُحكمة أمنيًا ، ومعزولة تماما عن بقية الاحياء والمناطق السكنية الأخرى ، ولا يتردد عليها إلا الفرق الفنية المنوطة بإنتشال الضحايا ، ورفع الركام وفرق النظافة والبيئة والصحة وغيرهم ، والمعلوم أن الجثامين ليست مصدر وبائي إلا في حالات الايبولا وأمراض النزف الدموي والكوليرا والايدز والتيفوئيد ، وإذا هناك تخوف من أي أمراض وبائية أخرى والتي احتمالاتها ضعيفة لأنها تحتاج للنواقل والحمدلله وبفضله حتى في المناطق المتوطن بها أنواع البعوض الناقل في أوقات الفياضانات أول من يُطرد البعوض ولا يعود الا بعد أسابيع عدة ، والقوارض يتم القضاء عليها بالرش والنظافة والأساليب المعروفة ، ومن الضروري إتباع كل الاحتياطات الاحترازية للحماية من أي فاشية ، والتركيز على التوعية الصحية المستمرة ، وتكثيف الخدمات الصحية الشاملة بمرافق الرعاية الصحية الأولية ، والخدمات الصحية المنزلية والحقلية ، والرفع من مستوى الخدمات الاستشفائية بالمستشفيات القائمة والميدانية ، والحفاظ على بقاء واستمرار مستويات أعلى عددًا وكفاءة من القوى العاملة الصحية بعد رجوع الأطقم الطبية الطارئة الوافدة من الداخل والخارج ، وتوفير الدعم النفسي لكل الفئات وتوفير الأدوية والمستلزمات لجميع المرضى ، وتوفر كل اللقاحات المطلوبة لهذه الاوضاع ، وأن تقوم شركات النظافة وحماية البيئة بكل ما يؤكد على ان المدينة والمناطق المتضررة تخلصت نهائيا من مخلفات السيول ، وتجفيف البرك والمستنقعات ، وضمان سلامة آبار ومصادر مياه الشرب ، والتخلص نهائيًا من المخلفات بشتى أنواعها ، وضمان أن المدينة لا تتعرض لأخطار وتهديدات صحية بأسباب عدة ، وبائية أو كيميائية أو اشعاعية أو غازية ، أو ما يهدد السلامة والأمان الصحي والبيئي ..
ومجرد الأنتهاء من هذه المراحل الأولى على الجهات المسؤولة البدء الفوري بتقييم الأوضاع ، وسرعة إزالة المباني الغير صالحة للسكن ، وإعادة الطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحي ، وفق ما تتطلبه أعمال الصيانة وإعادة التعمير ، وهذا كله يتطلب مضاعفة الجهود المبذولة ، والإكثار من القوى العاملة المتخصصة ، ومداومة العمل على مدار الساعة بورديات تسلم مهامها لبعضها ، لتضمن سير العمل ليل نهار ، على أن تقوم الدولة ومؤسساتها بسرعة إعادة الحياة في المناطق الغير متضررة بالعودة للمدارس والخدمات العامة والبنوك وتشجيع الناس على العودة لأعمالهم وممارسة نشاطاتهم الاجتماعية والاقتصادية ، ويفضل ان تبادر مؤسسات الدولة بالقيام بمناشط تبعث على روح التضامن والمؤازرة ، وحث المجتمع بالمناطق الاخرى على التقاطر والتواصل مع اخوانهم المكلومين في فقدهم الأليم ومصابهم الجلل ،
مع سرعة تعويض الخسائر والأضرار للأحياء مهم جدا ( سيارات واثاث منزلي وملابس ومعدات وأجهزة منزلية وشخصية ) بوسائل حضارية تحفظ كرامة الناس وهذا حق أصيل
والعالم يمر بمتغيرات متعددة والتحديات والتهديدات طبيعية والمحددات الاجتماعية والاقتصادية
والاقتصادية والصحية متطلبات ضرورية ، والحماية الاجتماعية والتنمية المستدامة مطلب واختيار وضرورة
رحم الله من قضى ، والهم الصبر لمن بقى ، والشكر لمن ساعد وسعى ..
. حفظ الله أمتنا وبلادنا