كتاب الرائ

موظف بدرجة “سرطان”

فيصل الهمالي

دبابيس

لا يخفى على أحد أن من أبرز أسباب تخلف وتأخر المؤسسات العامة في ليبيا هو ثقافة القبيلة , أو لنقل العلاقات الاجتماعية الواسعة التي كانت المفتاح الأقوى والسبيل الأسهل ، للحصول على وظيفة داخل مؤسسات الدولة ، وهو ما جعل من الكفاءة والمقدرة وقوة الأداء أموراً ثانوية لا ينظر لها المسؤول عند اتخاذه لأغلب قرارات التوظيف التي تقدم بها الاقرباء أو أبناء وبنات الوجهاء ، فضلاً عن من جاءت بهم قصاصات أوراق تحمل  توقيع النافذين في أجهزة الدولة العليا مع جملة ” مساعدة حاملها …. الخ ” ، وفي الغالب هم من يتسلقون السلم بسرعة البرق إلى الوظائف القيادية والحيوية ، مبدين مقدرة رهيبة على التموضع بأسلوب سرطاني خبيث يصعب تشخيصه .

هؤلاء وإن اختلفت مشاربهم ومضاربهم أو انتماءاتهم ، يوحدهم الفشل الذريع في العطاء ، وتجمعهم ثقافة “اللوبي” يقيناً بأنه السبيل الوحيد للبقاء ، طموحهم توسيع دائرة النفوذ ، وتحقيق أكبر قدر من الاستفادة والاستحواذ ، وصولاً إلى الهيمنة التامة على مفاصل ذلك القطاع أو تلك المؤسسة ، سبيلهم لتحقيق هذه الغاية تملق المسؤول ، حتى إن نجحوا في كسب وده وثقته ضربوا حوله سداً حصيناً ، وعازلاً متيناً يجعل من وصول الأخرين إليه أمراً صعب المنال ، إلا لمن قدم الولاء والطاعة ، وارتضى أن يكون تحت مظلتهم ، لعل حسنة تصيبه من وراءهم وما أكثر تلك الحسنات التي تُرمى لأمثالهم كرمية عظم لجرو جائع .

لا يعني ما تقدم ذكره خلو المؤسسات العامة من الكفاءات الوطنية ، رؤساء أو موظفين بمختلف المستويات ، قادرين حتى على منافسة نظرائهم في أعرق المؤسسات المماثلة في دول العالم المتقدم ، بل أنهم لو مُنحوا الفرصة والإمكانيات لأحرزوا تفوقاً عظيماً في مجالهم ، سواء على المستوى المحلي أو الدولي ، إلا أن من أشرنا إليهم في السابق ، غالباً ما يكونون سبباً وراء تهميش أو اقصاء الطاقات الوطنية المتقدة ، و الحيلولة دون وصول افكارهم أو ابتكاراتهم إلى كبار المسؤولين وأصحاب القرار ، ليقينهم أن أمثال هؤلاء يشكلون تهديداً على وجودهم ، فأي نجاح أو تميز مهني لافت ، قد يوقظ المسؤول من سباته أو يخرجه من تأثير مخدر المحيطين ، فينتبه إلى أن هناك من هو جدير بالاهتمام والدعم والتشجيع ، وفي هذه اليقظة تراجع لمكانتهم وتقدم لأخرين كانوا هم سبباً في إقصائهم .

إن الخلايا السرطانية تفشت في مؤسساتنا حتى بلغت النخاع ، وليس بالغريب أن نجد يوماً تصنيفاً لموظف “بدرجة سرطان” مثلاً أو رئيس “خلية سرطانية” ، حتى صار من مهام المسؤول فور استلامه دفة القيادة أن يعمل بعقلية اخصائي جراحة الأورام تارة ، ورجل مخابرات تارة اخرى ، وقاضٍ في بعض الحالات ، سعياً لتطهير مؤسسته ما أمكن ليتسنى له العمل في مناخ يسمح بالتطوير والعطاء وتحقيق الصالح العام .

وللحديث بقية  

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى