كتاب الرائ

مفهوم النظم الصحية 

د.علي المبروك ابوقرين

النظم الصحية تختلف بين دول العالم باختلاف تعدادها وديموغرافيتها وفئاتها العمرية واقتصادها وأوضاعها المالية ، واختلاف الثقافات وأنماط الحياة ومستويات التعليم والأوضاع الصحية والمعيشية والبيئية وطبيعة الأمراض وأنواعها ، وإمكانيات القطاعات الصحية من بنية تحتية وقوى عاملة ، وهيكليات النظم الصحية وانماطها التمويلية ، وقدرات البلدان الاقتصادية والصناعية والعلمية والبحثية والمعرفية والتكنولوجية ، ونظمها السياسية ، 

ولكن الجميع يجب أن  يعمل على تحقيق الأهداف المرجوة من تحقيق الصحة والرفاه ، وتمكين الشعوب من صحتها وتحسينها ، وتحقيق المحددات الأساسية للخدمات الصحية ، ومنها العدالة والمساواة والكفاءة والقدرة والآمان ، وسرعة الوصول اليها والحصول عليها ، والتكلفة والرضا ، وتحقيق جميع المحددات الاجتماعية والإنسانية ، ولتقليل المراضة وتحقيق التغطية الصحية الشاملة ، ورفع مؤشرات الصحة والرفاه والرضا ، هذا ما تختلف فيه النظم الصحية بين بلد واخر ، ولا يصلح أي نظام صحي مهما كان قوي ومحقق للأهداف المنشودة أن  يطبق على بلد آخر ،  ولا ينفع فيه القص واللصق ، ولا محاضرات وتنظير الحالمين ، مع العلم لا يوجد أي نظام صحي مثالي ، الكل يجتهد لتضييق الفجوات التي تتسع بين الموجود والمأمول ، وبين القدرة والامكانات ، وبين سرعة تطور التقنية والتكنولوجيا والمعرفة والتكلفة ، وبين المعوقات والتراكمات والتحديات ، وهناك نظم صحية عالية التكلفة لبلدان قوية اقتصاديًا ومخرجاتها سيئة جدا ، وهناك العكس تمامًا ، وهناك نظم صحية حريصة على ترسيخ المفاهيم والقيم الإنسانية لطبيعة الخدمات الصحية ، وهناك نظم صحية تجارية وسوقية ربحية حريصة على التحصيل المادي ولا تكترث لغيره ، وهناك نظم صحية مختلطة ، وتظل السمات الغالبة هي الضعف والهشاشة وتتفاوت لدرجة الانهيار وتدهور الخدمات الصحية ..

وكل مازاد تفتيت النظم الصحية زادت تعقيداتها ، وكل ما تناقصت محددات الخدمات الصحية زادت أعباء المراضة ، والتي بدورها تنعكس سلبا على الآقتصاد الذي يؤثر على القدرات التمويلية للنظم الصحية وتزداد ضعفًا  وهشاشة ، وتتعاظم المشاكل والمآسي والكوارث الصحية والاقتصادية والاجتماعية ، ولذلك على النظم الصحية أن ترسم المحددات الأساسية ، وتعمل على تنفيذها وفق الإمكانات  المتاحة والقدرات المتوفرة  ، وتضع الأولويات الأكثر أهمية وإلحاحًا ، وتعتمد نظم إصلاحية علمية وعملية من واقعها وقدراتها ، وتعمل على برامج متوازية ومتوازنة لإعادة بناءً النظم الصحية بالشكل والمضمون الذي يجب أن تكون عليه ، وتستوعب المجتمعات على اختلافها وتنوعها ، وكل مازاد الاهتمام بالصحة الاستباقية زادت إيجابيات الصحة الوقائية والتي بدورها تدعم النتائج المرجوة من الرعاية الصحية الاولية والتي تنعكس مباشرةً على تقليل المراضة وتجنب المخاطر الصحية والاقتصادية ، 

ونظرًا لأن جميع النظم الصحية تعاني من أزمات كثيرة ومتعددة ومعقدة وتحتاج لبرامج جادة لتعزيز الخدمات الاستباقية والوقائية بالتوازي مع تقليل التراكمات وحجم المراضة وتعقيداتها مع الرفع من قيمة مفاهيم الخدمات الصحية الإنسانية الفطرية لإنها مرتبطة بالآلام والأوجاع والموت والفقد والرفاه وعدمه .

ولكل بلد ما ارادت ان يكون نظامها الصحي لشعبها ، والملاحظ أن معظم الانظمة الصحية العربية موروثة لغة وتشغيل ، 

ومهم جدا تبادل التجارب للتحفيز على التغيير للأفضل ، والأهم هو بدل الجهود للإعتماد على الذات ، ونقل المعرفة والعلوم وتوطين التقنية وتطويرها ، والتكوين البشري الصحيح أهم عناصر نجاح النظم الصحية ،وصحة الناس تحتاج للعارف والعالم والضمير الإنساني الحي ، الخادم بحكمة وثقة وخبرة وتواضع ، وليس لمن يبحث عن الثراء من جيوب المرضى والشهرة على أكتافهم 

، ولا صحة لأمة سلعت أمراضها واثقلت كاهل المجتمع بنماذج تمويلية سوقية ، أو أن تكون صحة المواطنين عبء ثقيل على الدولة  ، والقطاع الصحي لن يفي بمتطلباته دون أن يحضى بالأهمية الأولى في الشأن العام والرسمي ، وتطبق السياسات الصحية الصارمة على جميع القطاعات ، والعمل على وحدة وصلابة واستمرارية النظام الصحي للايفاء بالاحتياجات أولًا ويتجاوب مع المتطلبات والرغبات ويتماشى مع التطورات ..

الصحة أبعد من منع المرض أو علاجه ، وهي مفهوم أوسع من دورة الحياة ، الصحة  من قبل المولد الى ما بعد الوفاة ، وهي بيئة وثقافة صحية ، وأنماط حياة وإبداع  إنساني ، وهي الجسد والعقل والروح والنفس والمحيط ، والماضي والحاضر والمستقبل ، ومن ملك الصحة ملك الحياة ، 

والنظم الصحية منوطة بذلك ، وعليها أن تكون مؤهلة وقادرة على الاستجابة والمرونة لتحقيق الصحة والرفاه مهما كانت التحديات والمفاجآت والمتغيرات ، وقوة النظم الصحية بمتانة وصلابة أساسياتها في برامجها الاستباقية وأنظمتها الوقائية ، وخبرة ومهنية وتأهيل قواها العاملة ، وبقدرتها على التعامل مع الأزمات الصحية والكوارث الطبيعية والحروب 

وغيرها ، والأمثلة المعاصرة خير دليل ( جوائح وزلازل وحروب وفياضانات ) 

، والنظم الصحية القوية هي القادرة على تجنيب معظم الأمراض ومنعها ، ومكافحة كل الأوبئة ، وأن تكون تؤام الزمن في سرعة التدخل والاستجابة ، والنظم الصحية الصلبة والقوية هي التي تستثمر في الصحة وليس في المرض ، ولهذا من الضرورة إعادة النظر في النظم الصحية وهيكليتها وإعادة بنائها بما يجعلها قادرة على تضييق الفجوة بين ماهي عليه وما يجب أن تكون بإرادات ذاتية وقدرات محلية وبالإمكانيات المتاحة لإنتاج نظم صحية إنسانية قوية ، عدا ذلك ترقيع في ثوب بائد ..

ويتحول الناس وأمراضهم لأرقام وجيوب واستثمار  ..

              .الصحة حق 

     .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى