كتاب الرائ

انتفاضة

فيحاء العاقب

انتفاضة

 

بحب كنت ارقب بتمعن وجه ذلك الرجل الاربعيني، وقد ارهقته الحياة واعيته ، ودار في فلك عقلي عديد الاسئلة التي جاءت تباعا كسيل جارف، منذ متى ولماذا وكيف ولما يرتسم هذا البؤس على وجهه… ولكن الاجابة عن كل ذلك كانت واحدة،فقد كنت اردد بغضب ام توبخ ابنها: (لا تكن جبانا.. وانتزع سعادتك من براثن المحيط، فالحياة اجمل من ان نخوض فيها حربا من اجل العيش.. وحتى ان فعلنا ذلك فلتكن حربا من اجل الفرح). ان تكن وسط صندوق كبير من الوجع لا يعني ان تمنع نفسك عن محاولة فتحه، فالانسان دائما مدجج باسلحة قادر من خلالها ان يحرر قسطنطينيته الاف المرات. ان الافلات من الجنازير التي صنعتها ايدي حداد شاطر اسمه التقاليد هي اولى السبل ليظفر بالهدف. كن زوربا اليوناني .. وارقص .. وردد الاغنيات باعلى صوت.. لا تكترث لذلك النشاز الذي يأتي بين الفينة والاخرى، مخترقا جدار السكون..ولا تأبه بمن يحاول شدك إلى مستنقع اليأس. السلبيون من حولنا كثر، فنحن مجتمع جُبل على التخاذل، وعلى الانتقاد، وجلد الذات، حتى في ابسط المواقف. كلاكيت(مشهد اول) الام التي الحت على ابنها ان يتزوج قريبته مضحية بسعادته، جلدت نفسها وجلدته الف مرة، فقط من اجل ارضاء الاخرين، وخوفا من عادات بالية خانقة مميته، وضعت الابن في بوتقة الاذى الروحي ليحترق على مهل، مخلفا جسدا لا يضج داخله بايقاعات واهازيج الفرح. كلاكيت(مشهد ثاني) الفتاة التي اجبرت على دراسة تخصص لا ترغبه، اختاره والدها الذي ظل حبيس افكار خاطئة كاذبة، حتما لن تشعر يوما بلذة النجاح، فكلما تقدمت خطوة كلما احست بخناجر الخيبة تنغرس في خاصرتها مذكرة اياها بحلمها الذي ذهب مع الريح ولن يعود. كلاكيت (مشهد ثالث) المراهق الذي احب العزف على البيانو..اكثر من حبه لذاته، وكان شغوفا بلحنه كشغفي ببحيرة البجع او الجميلة النائمة او كسارة البندق لتشايكوفسكي، المراهق حُرم من هوايته، لان والده رأى في ذلك (كلام فاضي) واقرانه اخبروه بان في مزاولة العزف مضيعة للوقت، فهوى به الهوى، وتصدعت ذاته، فلاهو صار عازفا ولانا اصبحت بالارينا، واحدث ذلك ندبة بقلبينا لن ينتزعها كُلّاب نجار شاطر، ولا جراح تجميل اتقن التعامل مع ندبات الحسناوات المهووسات بالجمال المُخلّق. كثيرة هي الصور الحياتية التي تشاهدها بشكل يومي كفيلم سهرة اعيد بثه اكثر من مرة، وبعدة لهجات وربما لغات. قطعا نحن مجتمع تربى على سلب الارادة، وتربى على الخنوع للعادات والتقاليد التي لاتسمن ولا تغني عن جوع. عادت تزيح الابتسامة عن الوجوه كستار مسرح فُتح على مشهد يكشف مأساوية الحدث. نحن اليوم بحاجة لثورة حقيقية يخوضها العابسون الغارقينن في الظلم المجتمعي حد القرف، الساكتون عن حقوقهم والمطالبون بقليل من العطف عليهم، اصحاب القلوب التي مزقتها تخاريف الجدّات، والمعصورة من قبل الامهات المتغطرسات، والاباء دكتاتوريي الفكر. نحن بحاجة لانتفاضة يا من اكلكم الخوف، واخمد بركان التمرد فيكم. انزعوا عنكم معطف التخاذل واقبلوا اعلى هذه الحياة بحب، وليعلوا هتافكم بقول جاك بريفر العرب الشاعر علي صدقي عبد القادر (يحيا الحب).

 

فيحاء العاقب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى