كتاب الرائ

النظم الصحية

د. علي المبروك ابوقرين

عرفت الشعوب والمجتمعات النظم الصحية مع نهاية النصف الأول من القرن العشرين ، والدول العربية بعد الاستقلال وتكوين الادارات المحلية ،

 والنظم الصحية متعددة منها القوية المتماسكة المرنة والمستقرة والمستدامة ، والقادرة على التعامل مع كل التحديات والتهديدات ، وتحقق كل المحددات الصحية والاجتماعية والعدالة والمساواة ، والتغطية الصحية الشاملة مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية ومعايير الخدمات الصحية الدولية ، محققة لكل المؤشرات الصحية العالمية ببنى تحتية متكاملة ، وقوى عاملة صحية مؤهلة تأهيلًا عاليا ، وتعليم وتدريب طبي وصحي مستمر يضاهي أرقي وأقوى الجامعات العالمية ، وباكتفاء ذاتي لمعظم الاحتياجات من الدواء والمستلزمات والمعدات الطبية معززة بمراكز متقدمة للبحوث والدراسات العلمية الطبية الإكلينيكية والأساليب العلاجية المتطورة ،

وهناك نظم صحية ضعيفة وهشة تفتقد للكثير من مقومات النظام الصحي لأسباب مختلفة ، منها الإدارة السيئة وتدهور التعليم ونقص الموارد المالية ، كما هو الحال في الدول المنخفضة الدخل وينعكس ذلك على البنى التحتية الصحية التي لا تحقق حتى الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية ، وتعاني من النقص الحاد في السعات السريرية والتجهيزات الطبية ، والقوى العاملة الصحية عددا وكفاءة ، وتحقق مؤشرات صحية متدنية جدا ، وهناك نظم صحية قائمة على أسس  أستثمارية ، معتمدة على مؤسسات وشركات طبية عالمية ، وقوى عاملة صحية وافدة ، وهذا النموذج واضح بالدول المرتفعة الدخل قليلة السكان ، وقد تكون محققة لرضا المقيمين من جنسيات مختلفة ولارباب العمل ، وتحتاج لعقود طويلة لبناء الثقة في النظام الصحي لدى المواطن الذي تسمح ظروفه بالاختيارات من ما هو متاح عالميا ، وهناك نظم صحية متوسطة المستوى تعتمد على الإمكانيات  المحلية ، وتجتهد في أن يكون لديها قوى عاملة مؤهلة ومدربة جيدًا ، وخصوصا إذا  تتمتع بتاريخ وإمكانيات  تعليم طبي جيدة ، وتحاول الاكتفاء الذاتي من الأساسيات وسد الفجوات بالتصنيع المحلي ، وتبني برامج صحية مختلفة لتحقيق الحد الأدنى من المؤشرات الصحية ، وتجتهد في تدبير حزمة من أوجه التمويل المختلفة من خلال أنواع التأمين المناسبة ، أو بالخدمات الصحية القطاعية ، والمناشط الاجتماعية ، ويشوب هذه الأنظمة عدم الاستقرار وصعوبة الاستمرار ، وتفاوت الخدمات وهجرة الكوادر الوطنية ،

ويرتبط نظامها الصحي بالاوضاع الاقتصادية ، ومدى استقرار النظام التعليمي ، وقوة الحوكمة الرشيدة

ان وجدت ، وهناك نظم صحية فاشلة ينخرها الفساد تترسخ في بعد الدول التي تعتمد على التمويل المالي بالكامل من الموازنات العامة ، وتتكدس بالوظائف ما لا يتناسب مع الملاكات الوظيفية لا عددا ولا تخصص ولا كفاءة ، وفي الغالب تبنى النظم الصحية بسياسات وخطط وبرامج مغايرة لواقع الحال وثقافة المجتمع المحلي ، بما في ذلك المباني ومخططاتها والعاملين فيها ، وانعدام وجود سياسات صحية ثابتة وتشريعات مدروسة وقوانين معمول بها ، ولوائح منفذة ، ومع التغير المزاجي في الإدارة العامة للدولة دون التقيد بالانظمة والاستراتيجيات والخطط القصيرة والطويلة الأجل المدروسة وفق التغير الديموغرافي والاجتماعي والثقافي والتعليمي والبيئي والتطور الحياتي ، مع التخبط  ووضع الحلول التلفيقية المزاجية ، ومعظم الأحيان تدار الأمور بمن ليس لهم في الأمر شئ ، وتتوالى الانهيارات إلى أن يصل الوضع لتدمير البنى التحتية الصحية العامة ، وإيجاز الأطباء بلا تعليم حقيقي وتدريب سريري كما يجب ، وتمريض لا علاقة له بعلوم ومهنة التمريض ،

وتتشكل منظومات نفعية مصلحية متشابكة ، تتوغل في دوائر الدولة وتتفنن في تفتيت القطاع الصحي لتعظيم مكاسبهم الشخصية ، ويتحول التعليم الطبي لمكاتب محتكرة تجني الأموال وتغرق الأسواق بالشهادات المدفوعة بدون تعليم ولا تدريب ، وتغرق الأسواق بالأدوية والمستلزمات الطبية المغشوشة والمزورة والمقلدة ،

وتتعطل كل الخدمات الصحية بالمستشفيات والمراكز الصحية العامة التي تميزت بتقديم خدمات الرعاية الصحية الشاملة ، والخدمات الاستشفائية المتكاملة ، والتعليم والتدريب السريري المتقدم ،

ويساهم النظام الصحي الفاشل في زيادة معدلات الأمراض والوفيات ومايترتب عنهم اجتماعيًا واقتصاديًا ، ويتحول النظام الصحي لنظام لا إنساني ولا أخلاقي مغاير لفلسفة الطب ونواميس المهنة ، وتنهار جميع القطاعات الأخرى ، وتتدهور الأوضاع المعيشية للفرد والمجتمع لغياب البيئات المعيشية الصحية ، وتلجأ الجهات المسؤولة المختصة لحلول أكثر تدمير وضرر ، بتعميق الفجوات وتفتيت المفتت من النظام الصحي ، واعتماد مصادر تمويلية تتماشى مع النهج اللانساني الذي يجعل من الأوضاع الصحية في زمن الفقر والاستعمار أفضل من زمن المتاجرة في المرض واستغلال الأصحاء ،

وفي الأزمات الصحية والكوارث والصراعات والحروب تكون أوضاع الناس كارثية ولا حلول الا الاستجداء والتسول من الدول والمنظمات الدولية لغياب نظام صحي قوي مرن متماسك قادر على الاستجابة ،

الصحة الرقمية تحتاج لسجلات صحية والذكاء الاصطناعي يحتاج لذكاء بشري والتكنولوجيا الطبية تحتاج للعلم والمعرفة والتدريب العالي المستمر ..

والصحة والرفاه تحتاج لنظام صحي إنساني قوي متماسك متطور يعزز صحة الناس ويحافظ عليها ويمكنهم منها ويحسنها لهم ولا يسلعها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى