كتاب الرائ

المثلية الجنسية والتعددية الفكرية

وفــــــاء دوزان

 

ترددتُ كثيراً قبل كتابة هذا المقال لسببين، الأول أن البعض قد يفسر طرحي لهذا الموضوع هو ترويج للمثلية الجنسية ، السبب الثاني هو طبيعة ومناخ مجتمعنا التي لا تشجع على طرح مثل هذه المواضيع وتتخذ عبارة ” أميتوا الباطل بالسكوت عنه ” مرجعاً لها ربما لاعتقادها أن تفادي مثل هذه المواضيع أقل ضرر من عرضها، حقيقةً كلا السببين لم يعودا يمثلان أهمية لدىّ وذلك بعدما رأيت مواقع التواصل الإجتماعي الليبية تضج بالتأييد والمعارضة لهذا الموضوع أي أنه بات شائع ولا يمكن تجاهله ، ما أود التأكيد عليه هو أن هذا الطرح خالصاً لوجه القلم ولا يهدف سوى للتوعية و تناول الموضوع بلغة واقعية .

لطالما أيدت التعددية الفكرية وأمنتُ بأن تطبيقها يحقق التنوع والتعايش السلمي بين أبناء المجتمع الواحد حيث أن التعددية الفكرية تساهم في تقبل الأخر ومشاركته هويته وثقافته ، يستعير العديد مِن مَن يؤيدون المثلية الجنسية بتعريفات التعددية الفكرية لدى كرستُ نفسي للبحث عن الرابط بين المصطلحين ، إلى وقت كتابتي لهذا المقال لم أجد توافق حقيقي بينهم فالتعددية السياسية والاقتصادية والدينية وكذلك الثقافية بعيدة جدًا عن الاضطراب النفسي و الشذوذ الجنسي ،هذه التسميات لم أطلقها من عندي أو اقتبسها من معارضي المثلية الجنسية عبثًا بل تسميات أطلقها علماء النفس في القرن التاسع عشر وذلك عندما صنفوا المثلية الجنسية في باب الانحرافات السلوكية والإضطرابات العقلية ، سبق هؤلاء العلماء ” سيغموند فرويد” مؤسس علم التحليل النفسي الذي رأي أن المثلية الجنسية هي نتاج توقف النمو الجنسي وتحدث أن بإمكان علم النفس معالجة مثل هذه الحالات وذلك بتطوير البذور الخامدة للنزعات التغايرية التي توجد لدى المثليين جنسياً ” يقصد بالتغايرية هنا أو المغايرة هي ممارسة الجنس المغاير، أي بين رجل وامرأة ” يتجاهل العديد من المدافعين عن حقوق المثليين أراء ونظريات فرويد السابقة والتي يصنف فيها المثلية الجنسية كمشكل نفسي بالإمكان علاجه بينما يرددون مقولة فرويد ” ان المثلية الجنسيّة ليست نعمة ولكن ليس فيها ما يدعو إلى الخجل ، وليست فساداً ولا انحطاطا، ولا يمكن أن نعتبرها مرضا، بل إنّنا نعتبرها تنويعا من تنويعات الوظيفة الجنسيّة، ناتجة عن توقّف النّموّ الجنسيّ.”  وبينما هم يؤيدون بشده يرفض بشده مضاعفة المحلل النفسي “ساندور رادو”  فرضية  “فرويد” المؤيدة للمثلية الجنسية ويؤكد أن العلاقة الغيرية مع الجنس الآخر هي الطبيعية حيث يقول أن المثلية الجنسية والذي يصر على تسميتها بـ ” الشذوذ الجنسي” تحدث عندما يفشل الجنس الغيري في تحقيق المتعة الكاملة .

نرى أن هناك تقلقل و تعارض واضح في فرضيات فرويد ولكن كل هذا التقلقل لن يغير أن المثلية الجنسية ضد الطبيعة والمبادئ الإنسانية حيث أن الكون والطبيعة تحديداً قائمة على التزاوج والتكاثر وهو ما يجعلها أمراً يهدد الأمن الوجودي .

ويستثنى من هذا ” الاضطرابات الهرمونية ” التي تحدث لبعض الأشخاص منذ الولادة وتفرض عليهم حلاً واحداً لا غير وهو التحول الجنسي أو ما يعرف بالتغيير الجنسي  .

ظل هذا التخبط قائم بين مؤيدي المثلية الجنسية ومعارضيها حتى بعدما أخرجت منظمة الصحة العالمية الشذوذ الجنسي من التصنيف الدولي للأمراض عام 1992 و لربما كان هذا التخبط نتاج عجز المجتمع الطبي بشقيه النفسي والجسدي عن تحديد الأسباب التي تجعل الإنسان مثلياً أو مزدوجاً ” أي يميل للجنسين ” وكذلك عجزه عن توفير علاج مستقبلاً لإعادة تقويم سلوك الإنسان المثلي .

أخيرًا ما أودّ التأكيد عليه هو أن عدم وجود علاج للمثلية الجنسية لا يجعلها تستثنى من قائمة الأمراض النفسية فهناك العديد من الأمراض النفسية التي لم يتحصل الباحثون عن علاج لها كمرض ” الأرق الوراثي ” على سبيل المثال وكذلك إنفصام الشخصية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى