كتاب الرائ

التسول .. بين التشريع والشرعية

فيصل الهمالي

 دبابيس

التسول .. بين التشريع والشرعية

فيصل الهمالي

خلال عملي الصحفي الميداني ، تابعت عن كثب مساع الأجهزة الأمنية التابعة لقطاع الأمن العام  لمكافحة التسول ، وذات مساء رافقت إحدى حملاتها لغرض تغطية الحدث صحفياً، إلا أنني في نهاية المطاف خلصت إلى حقيقة أن تلك الحملة ما كانت إلا للدعاية و”البروبقندا ” الإعلامية ، إذ أن كل من قبض عليهم من متسولات ومتسولين أُفرج عنهم في نفس اليوم بعد ان قُيدت اسماؤهم في قوائم للحصر ، وتم تحريز ما بحوزتهم من أموال ، وأخذت توقيعاتهم وبصمات أصابعهم على تعهدات بعدم العودة للتسول مرة أخرى ، دون أن يُجرى معهم أي تحقيق أمني أو بحث اجتماعي وذلك أضعف الإيمان .

تعجبت من تلك الاجراءات التي كانت بمنتهى السطحية ، ما دفعني من أعلى قمة الدهشة إلى أسفل قاع الاستغراب لأصحو على سؤال أستنطق لساني مخاطباً الضابط المسؤول عن سبب الافراج عنهم بهذه الطريقة ليجيبني بكل برود بأن لا وجود لقانون ليبي يُجرم التسول ويردع المتسولين !!

كان هذا منذ ما يزيد عن تسع سنوات ، قبل أن تتسع ظاهرة التسول لتصبح ورماً كما هو الحال اليوم ، ينتقل من مرحلة المزاولة الفردية إلى نظام الشبكات المنظمة ، يسيطر على إدارتها الوافدين وتتصدر أعماله الوافدات قبل الليبيات ، حتى صار الأمر مستفزاً لكل ذي عقل ، باستثناء اولئك المزايدين المتظاهرين  بالمشاعر الإنسانية الفياضة والالتزام الديني المفرط ، وهم في الحقيقة سبب من اسباب تفشي هذه الظاهرة عن غير قصد ، ولست هنا ادعو إلى الإمساك عن تقديم الصدقات بل لتحري من يستحقها وفي ذلك أبواب كثيرة لمن أراد البر والإحسان ، خصوصاً في مثل هذه الظروف الصعبة التي تعيشها بلادنا ويعانيها الكثير من مواطنيها .

إن مسؤولية مكافحة هذا السرطان تقع على عاتق الجميع ، بدءًا من المواطن الذي يدفع المال بسخاء بنية الصدقة ، إلى ذاك الذي يؤجر لهم البيت ، و صاحب سيارة الأجرة الذي يقلهم كل صباح ومساء من وإلى نقاط تمركزهم وهو يعي تماماً حقيقتهم ، نهاية بالأجهزة والمؤسسات الرسمية المناط بها علاج مثل هذه الآفات التي تهدد سلامة المجتمع وأمن البلاد الاقتصادي و القومي على حد سواء .

قد يُكبل القانون مأموري الضبط القضائي من رجال الشرطة ،  فغياب مواد واضحة تُجرم التسول وتعاقب المتسولين ، يعتبر دون ادنى شك معضلة تجعل من رجل الشرطة في موقف الضعيف حيال هذه القضية ، فلا يمكن بأي حال أن يتجاوز القانون وهو ممثله ، الأمر الذي منح شبكات التسول مناخاً جيداً للتحرك والظهور علناً دون أي اعتبار للأجهزة الأمنية ، ولكن في الأمر ثغرة قد تحقق المطلوب بكل ايجابية  ..  فإن عجزت مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية على سن قانون يحرر الشرطة من أغلالها ، فمؤكد وأن الأجهزة الأمنية العاملة تحت مظلة “الشرعية الثورية” تملك من الصلاحيات ما يمكنها من اجتثاث هذا الورم في زمن قياسي ليختفي إلى الأبد .. فكم من قضية استعصت عن المُشرع وحسمها أصحاب الشرعية  .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى