الصحة المجتمعية النفسية والاجتماعية المتكاملة

د.علي المبروك أبوقرين
تعاني بعض المجتمعات والدول التي مرت باضطرابات ونزاعات وأزمات من ظواهر خطيرة تهدد بقائها وتؤثر على الاستقرار والسلم والتنمية ، نتيجة الأزمات الاجتماعية المعقدة والمتشابكة ، ومنها إنتشار تعاطي المخدرات والكحوليات ، والتسرب من التعليم ، وازدياد حالات الطلاق والتفكك الأسري ، واتساع دائرة الفقر والبطالة ، وانتشار الفساد والرذيلة والجرائم بكل أنواعها منها الخطف والاعتداء والاغتصاب والحرابة والقتل ، وتجارة البشر وتجارة الأعضاء والتهريب ، وصناعة وتجارة المخدرات العابرة للقارات والدعارة الدولية وغيرها من السلوكيات المنحرفة التي تدمر الأجيال والمجتمعات والأوطان ، ولخطورة هذه الظواهر الهدامة يجب وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط والبرامج التنفيذية لتعزيز التعليم والتربية واتاحته لجميع الفئات وفي كل المناطق ، والزامه على كل الناس ، وفرض العقوبات على التسرب من التعليم ، وضرورة اعتماد مناهج تعزز القيم والأخلاق ، وتحذر من المخدرات والجريمة ، وتأهيل المعلمين ليكونوا قدوة سلوكية وفكرية ومثال للقيم ، وضرورة التمكين الاقتصادي المنتج الحقيقي والمستدام ، وتشجيع المشاريع الابتكارية والابداعية والانتاجية الصغرى ، مع برامج مجدية للدعم الأسري وربط العون الاجتماعي بمواصلة التعليم والتدريب ، وتوجيه الاستثمار نحو إيجاد فرص عمل حقيقية ، وتطوير متكامل للمناطق المهمشة والنائية والريفية ، وإصلاح المنظومه القضائية والأمنية والبث السريع في قضايا الجرائم والاعتداء والقتل والمخدرات والفساد ، وتعزيز القدرات الشرطية التقنية والعدلية والاستخبارتية ، وكل هذا في حاجة لإعلام مسؤول وثقافة واعية ، ومنع نشر وتسويق الفساد والرذيلة والانحطاط ، والسلوكيات المنحرفة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل ، والتركيز على نشر الرسائل التوعوية لفئات المجتمع المختلفة ، ودعم الإنتاج الإعلامي والثقافي الذي يعزز الترابط الأسري والبر والقيم والأخلاق العربية والإسلامية والإنسانية ، والانتماء الوطني الراسخ ، ودعم البرامج التعليمية والمعرفية والتوعوية ، وللوقاية والعلاج من هذه الظواهر الخطيرة ضرورة توفر خدمات الصحة النفسية المجانية في جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية والوقائية ، وفي المدارس والجامعات والسجون والمعسكرات الشبابية ، مع حملات توعية مستمرة عن المخدرات والإدمان والاكتئاب والعنف الأسري ، وتدريب العاملين الصحيين على الكشف المبكر عن الانحرافات السلوكية ، والرقابة على البيئات الهشة ودعمها بالفرق الطبية المتخصصة ، والرقابة المشددة على سلوكيات الأطفال بالمدارس وتقديم الدعم المبكر والتغذية الصحية والدعم النفسي وعلاج الأمراض الاجتماعية داخل المدارس ، ومن الأهمية مشاركة الصحة في مجالس ولجان مكافحة المخدرات والتهريب ، وتجارة الأعضاء ، وضرورة إعداد قائمة بيانات وطنية لأسباب الإدمان والجريمة والانتحار ، ودعم البحوث الصحية الاجتماعية لرسم سياسات الوقاية ووضع رؤية متكاملة لمواجهة التحديات والتهديدات الصحية والاجتماعية . ولأن الصحة مسؤولة عن الوقاية والعلاج من الأمراض هي مسؤولة كذلك عن صيانة الأنفس والعقول من الانهيار ، ولهذا بالضروره العمل على إيجاد تخصص صحي متكامل ومتعدد الأبعاد للتعامل مع الأزمات المجتمعية المعقدة والكشف المبكر عن الاضطرابات النفسية والسلوكيات المنحرفة ، وفهم الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالأمراض المجتمعية ، والتنسيق مع التعليم والشرطة والعدالة والإعلام ، وإطلاق برامج وقائية وطنية للحد من الإدمان والانتحار والجريمة ، إن حماية المجتمع من الظواهر الهدامة وتحقيق الأمن والأمان هي الرؤية المتكاملة والهدف الأسمى للاستقرار والتنمية والبناء والازدهار ،
والصحة المجتمعية النفسية والاجتماعية المتكاملة مهمة جدا للوقاية والعلاج من الأمراض المجتمعية..