كتاب الرائ

لا تعولوا على الغيب لصرف ما بالجيب

إدريس أبوالقاسم

نبض الشارع

إدريس أبوالقاسم

لا تعولوا على الغيب لصرف ما بالجيب !!

دول العالم على اختلاف مستوياتها الاقتصادية ، لا يكاد يستثنى أيا منها من استشراء ظاهرة نهم الاستهلاك بين معظم مواطنيها ، حيث أضحى الإنسان جراء عدة عوامل ، أداة استهلاكية مهووسة بالتبضع ، تبذل جهدا استثنائيا على حساب العقل والبدن  ، لأجل الحصول على دخل يتناسب مع الإلحاح الداخلي له ، ليشتري سلع استهلاكية  غالبا ما تكون غير ضرورية، تفرضها على تفكيره وسائل التزويق المتنوعة من حملات إعلانية وتغليف جذاب، تتلاقى مع التمظهر الاجتماعي الذي استشرى في المجتمعات العربية تحديد ، وليبيا ليست استثناء ، حيث السيارة الفارهة ، والإفراط في شراء ما يلزم وما لا يلزم تعبير ضمني يعتقدونه مقياسا للمكانة الاجتماعية، والبحبوحة ، وسعة الرزق !! .

هذه القناعات التي تعززها ” الميديا ” المسخّرة لهذه الغاية، رسخت عادات سيئة ومفاهيم اجتماعية خاطئة فرضت سيطرتها بفعل تطور وسائل الدعاية والإعلان ، حتى أمست قِيَمًا اجتماعية ، تتمثل في هوى النفس وحب الظهور والتقليد الأعمى .

ظاهر هذا الهوس يؤثر سلبا بلا أدنى شك على ذوي الدخل المتوسط والمحدود نتيجة فقدان السيطرة على التوازن بين مداخيلهم ومشترياتهم غير المحسوبة ، الأمر الذي يجرهم إلى المديونية وما يصاحبها من قلق وتعب نفسي .

كما يؤدي هذا الهوس بإدمان الشراء وشره الاستهلاك إلى اختلال القيم الاجتماعية، وانتشار القلق، فضلاً عن شيوع الحياة الباذخة  وما يصاحبها من تداعيات كالسِّمنة المفرطة وأمراض القلب والسكري ، مثلما هو تبديد للثروة على حساب استحقاقات أخرى ذات أهمية .

إن الكم الهائل من الإعلانات التجارية الدعائية التي تعج بها وسائط  الإعلام كافة التي يلجأ إليها التجار لحثِّ الناس على الاستهلاك والمزيد منه ، من المفترض ألا تتسيد المشهد وحدها بهذا الزخم في بلد مثل ليبيا تكاد تكون فيه محصلة الإنتاج صفرية .

إن ثقافة الاستهلاك غير المقنن السائدة في مجتمعنا ، لا بد أن تتصدى لها ثقافة أخرى تخلق التوازن المطلوب ، هي ثقافة الإنتاج لدى من يصنفون أنفسهم على أنهم رجال أعمال . وعليهم التزام وطني يلزمهم ، حتى من الناحية الأدبية بتوجيه جزء من أموالهم للإنتاج .

وهنا لا بد أن يكون لوسائل الإعلام واجب التوعية اللازمة للأسرة الليبية لحثها على حسن التصرف في مواردها المالية ، وتوظيفها لخدمة أفرادها بما يعود عليهم بالنفع المعنوي والمادي بدلا من التيه في بحر ملء الكروش والامتثال للمثل القائل : اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب .

 

إدريس أبوالقاسم

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى