كتاب الرائ

قراءة في تجربة الفضائيات العربية

مقال للدكتور إبراهيم زبيدة

احتفلت عدد من  الفضائيات العربية بذكرى تأسيسها وخوضها تجارب ناجحة أهلتها للعالمية بدون مبالغة. فالجزيرة احتفلت بالذكرى 25 MBC بذكرى 30 سنة على انطلاقها.

ولايمكن للدارس او المتابع للمشهد الاعلامي ان يتجاهل هاتان التجربتان..

 فقد انطلقت تجربة الم بي سي MBC في سبتمبر 1991 بعد حرب الخليج التي نقلتها CNN حية للعالم وبات ذاك التاريخ يمثل انطلاقة عصر الفضائيات.

جاءت MBC كمشروع خاص فغيرت المشهد الاعلامي العربي وكانت رغبة طيف واسع من الحكومات العربية هو الابقاء على الوضع الراهن وعد التغيير حتى ان قناتنا الليبية الوحيدة مثلا كانت تضع صورة حذاء  لسبب مجهول ولمدة طويلة على الشاشة ولاخيار للمشاهدين الا الصمت.

بداءت MBC بجودة برامج وحرفية في الاداء سرعة في التغطية الإخبارية صارت محط انظار المشاهدين  الذين تشدهم حتى النشرة الجوية حتى بات يقال في ليبيا ان الناس باتت تستعد “للحراثة وفقا لتبؤات الم بي سي”.

وسرعان ما تلقفت دولا كثيرة الرسالة وان امامها خيار واحد وهو التغيير السريع للاعلام القديم فيما سعت ليبيا الى محاولة “فلترة” الاعلام الفضائي من خلال تجربة اعادة البث التي كانت حيلة مفضوحة لاتعترف بحرية الذوق وكان المشاهد يتلقى نفس بث الاذاعة الرسمية مكرها  في المناسبات التي  يخشى فيها من هروبه.

ثم ظهرت الجزيرة سنة 1996 التي رفعت السقف وقدمت نمطا جديدا من البرامج مما جعلها قبلة المشاهد العربي . وهنا وجدت الدول العربية نفسها امام خيارات صعبة اما المنافسة او الاستسلام.

اختارت اغلب الدول خيار الاستسلام نظرا للكلفة المرتفعة لمشروع مماثل اما الدول القادرة فقد اتخذت خيار المنافسة وهكذا أسست السعودية تجربة قناة العربية. وهذا قرار سليم وحكيم لاشك في ذلك اما نحن في ليبيا فقد فضلت الدولة خيار غريب جدا وهو محاولة الاستفادة من الجزيرة وبعض الفضائيات واللجوء لشراء مساحات بل.ربما شراء ذمم وتجنبت تأسيس مشروعها الإعلامي الخاص وهذا موضوع يجب ان نتوقف عنده طويلا.وهو لاشك استراتيجية تبث فشلها وعقمها . اما كمهتم او كتخصص في الاعلام فيجب ان نتوقف وبعمق حول هذا الخيار ونطرح عشرات الاحتمالات قبل ان نقفز مباشرة الى نتيجة تدين هذا القرار ودوافعه.

لماذا لم تؤسس ليبيا برنامجها الاعلامي الفضائي على شاكلة الجزيرة وفضلت ان تهادن لا ان تنافس.

هل السبب يتعلق بالكلفة ؟  ام بالكوادر؟ ام بقلة التجربة؟

قبل ايام عرضت قناة الجماهيرية الفضائية لقاء مطولا مع السيد وليد الحسيني ليتحدث عن تجربته او كما ارادت القناة شهادته عن الامس، فقدم وليد الحسيني سردا طويلا لتجربة الاعلام الليبي واستراتيجية الدولة حينها يجعل المشاهد يستخلص نتيجة واحدة ان الحسيني هذا وغيره كانوا عبارة عن ثقوب سوداء تبتلع المال الليبي السخي الذي لم يكن يبحث عن مشروع ومؤسسة بل عن تجار يعرضون بضاعة ويسوقون اخرى.

للاسف لا نستطيع في وقت قريب ان نصدر تقييما علميا للتجربة الاعلامية منذ الاستقلال الى مرحلة فبراير لاسباب كثيرة منها اننا امام صيغ مختلفة من الانحياز وعدم الرغبة في الاستفادة من الماضي .

ان التجربة الاعلامية الطويلة في ليبيا لاتتناسب مع مخرجات اليوم بالتاكيد. ويظل هناك حاجة لمعرفة خلفية تجنب النظام السابق لتاسيس قناة فضائية بوزن الجزيرة. وحسب علمي ان هناك مقترحا ظل حبيس الادراج  حتى سنة 2011 .

 ولازال هناك كثر ممن يعتقدون ان الجزيرة وغيرها كانت مأمورة لاسقاط الانظمة وتاجيج الشارع العربي، ولست هنا في موقع يؤهلني لمحاكم تلك الفضائيات او المرافعة عنها غير اعطاء الفضائيات هذا القدر من القوة والتأثير سيطرح سؤال محرج وهو هل كانت تلك الانظمة غبية حتى انها لاتعرف قوة وسطوة الاعلام؟ ام كانت انظمة هشة اسقطتها فضائية تبث من مبنى صغير مكون من طابقين.كلا السؤالين لايخدمان الانظمة التي فضلت ان تشتري مساحات وذمم على ان تبني مشاريع ومؤسسات. تلك هي الحقيقة والتي يجب ان يفكر فيها كل باحث ومهتم بالشان الاعلامي.

لا اكف عن طرح السؤال وإحالته لطلاب الاعلام كل سنة حتى يجد اجابات مقنعة وان لا تكون الاجابة قفز على الحقيقة.

لماذا تجنبت الدولة الليبية ان تؤسس مشروع إعلامي بوزن MBC و الجزيرة.؟ وبلادنا ذات تجربة طويلة وتمتلك الإمكانيات ، اعترف بان السؤال استغرق مني وقتا لاجيب عنه غير اني افضل ان يبقى مطروحا لانه ينتشلنا من اعتبار كون واقعنا مجرد مسلمات او قضاء وقدر.

انه دعوة للتأمل والتوقف لعل ذلك يفيدنا في معرفة بعض بذور المشهد  الإعلامي الضعيف اليوم . ولعل المحزن جدا  ان كوادر وقدرات كبيرة في هذا المجال كانت متاحة بل بعضها عاطل عن العمل ،طاقة وقوة كامنة لم تختبر حرمت من ان تترك بصمتها في المشهد الاعلامي العربي. ترى لماذا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى