كتاب الرائ

فبراير التي لا نريد

أحمد الغماري

فبراير التي لا نريد

أحمد الغماري

لا أعتقد أن الشباب الذين خرجوا صباح 17 فبراير 2011 في خضم التغيير الذي تفجر في المنطقة كانوا يهدفون أو سيرضون أن يستأثر طرف من الأطراف الليبية، سواء كان شخصاً أم مجموعة أشخاصاً أم حزباً أم مدينة أم فصيلاً مسلحاً بأهداف الثورة ومبادئها، وأن تسخر بعد انتصارها إلى أيدلوجيا من الأيدلوجيات السياسية أياً كانت مرجعيتها.
لا ينبغي لمبادئ فبراير – التي اتسمت بعفوية الحراك، دون قيادة سرية سواء كانت تحت الأرض أو فوقها، ترسم لها تصوراتها وتكتب لها أدبياتها – أن تختزل في إطار رؤية فئوية ضيقة تخوض صراعاً سياسياً ضد فئات سياسية أو اجتماعية، غرضها إقصاء من هم شركاء في الوطن والانفراد بالسلطة والثروة والاستلاء على الغنيمة.
لقد ألحقت بعض الشخصيات التي اقترن ظهورها شرطياً بثورة فبراير، ضرراً عظيماً، نظراً لأنها دخلت غداة انتهاء النزاع المسلح الأول في صراعات سياسية مسلحة لاحقاً، رافعة شعارات الثورة ومبادئها ومتفردة بشرعيتها في وجه خصومها السياسيين، ثم أضحت بعدئذٍ محط سبّ وشتم وتحقير من قبل الأطراف المناوئة التي ربما كانت قبل سنوات قليلة تقف معها في خندق واحد ضد الديكتاتورية.
إن الكفر بفبراير ومبادئها ومساواتها – من قبل بعض الأطراف الليبية – بسبتمبر ومبادئه، واعتبار الخمس السنوات الماضية إنها أسوأ السنوات التي مرت على ليبيا؛ ثم استبعاد مسألة انتشار السلاح والنزاعات الجهوية والقبلية واستفحال “داء الإرهاب” في المنطقة، وقبل ذلك التدمير الممنهج الذي لحق بالمؤسسات السياسية والعسكرية والإدارية، لهو إغفال للأسباب الحقيقية المتمثلة في استئثار أفراداً وجماعات وأحزاب ومدن بمبادئ وشرعية فبراير ومحاولة إقصاء غيرهم من المشهد السياسي.
ولذا سيظل التخبط والكفر بفكرة (الكيان السياسي الجامع) وبناء الدولة الحديثة المعاصرة المرتكزة على المواطنة والعيش السلمي المشترك والدستور الضامن والتداول السلمي للسلطة والثروة قائماً، ما لم يتم التخلي عن فكرة الانفراد بالمشهد السياسي ولطالما ظلت الأجسام السياسية الوليدة مستهترة بهذه الفكرة، دون أن تتحول إلى العمل السياسي “الحزبي المؤسساتي” الذي يقدم رؤى ومشاريع وطنية تحقق تطلعات الشعب وآماله في شرق البلاد وغربها وجنوبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى