كتاب الرائ

طب الحروب

د. علي المبروك ابوقرين

تاريخيا كانت الحروب سببا في بعض التطورات  الطبية  والخدمات الصحية  ، بداية من التخدير ولأهميته القصوى ، والمضادات الحيوية وما كان لها من اثر في علاج الجروح والأوبئة ، وخدمات الإسعاف ونقل المرضى والطيران العمودي في الإخلاء الطبي السريع ، وخدمات نقل الدم ومشتقاته واستخدامات الدم المجمد ، والشرائح المعدنية والمفاصل الصناعية ، خدمات الحروق والضمادات المطهرة والمشبعة بالمضادات الحيوية ، استخدامات السوائل ، والاعتراف باضطرابات ما بعد الصدمة ، والاستخدامات المثلي للمستشفيات والإمكانيات المتاحة وتطويعها وادارتها ، واستخدام المستشفيات الميدانية والخدمات التطوعية ، وطرق وأساليب الإدارة وتوفير الإمداد والتموين والمياه في زمن الحروب ، وكيفية تقديم الخدمات الصحية الروتينية للسكان ، وتقديم الخدمات الطبية لضحايا الحروب ، والتعامل الصحي في دفن الوفيات في حينها ، وتقديم الخدمات الصحية للمحاربين القدامى وتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لهم مدى الحياة ، وكذلك علمت الحروب كيفية التدبير التمويلي المستمر من خلال الصناديق مع تزايد اعداد ضحايا الحروب والاستمرارية في تقديم الخدمات الطبية الروتينية للمرضى .

وحديثا للأسف نعيش صراعات أهلية في بعض البلدان ، وحروب مدمرة بين الدول ، تطال في معظمها المستشفيات والمرافق الصحية وتدمرها ، والتعرض للعاملين بالقطاع الصحي ، والان نعيش حرب مدمرة منقولة على الهواء تتعرض لها غزة وبعض المدن والاحياء الفلسطينية ، وجميع ضحاياها من المدنيين مع قلة الإمكانيات الصحية وما يعانيه القطاع الصحي الفلسطيني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية والكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع مثل هذه الظروف الكارثية الناجمة عن حرب شرسة مستمرة تطال الأحياء السكنية بمساجدها ومدارسها التي يلجئ إليها المدنيين الابرياء ، والأعداد المتزايدة في الضحايا ما يفوق بكثير إمكانيات المستشفيات وخدمات الإسعاف والطوارئ  ، مع إنقطاع الكهرباء والمياه والتناقص في الإمداد الطبي والتمويني نظرًا  للحصار المطبق ، وإذا  أستمر الوضع وزادت وثيرة الحرب وزادت أعداد الضحايا سوف ينهك النظام الصحي ، وتجهد القوى العاملة الصحية جسميًا ونفسيًا ، وهم من نسيج المجتمع المدني الذي يتعرض لحرب مدمرة ، والضحايا هم أهلهم وذويهم واقاربهم وجيرانهم ، والبيوت التي تهدم على رؤوس ساكنيها هي بيوتهم وممتلكاتهم ، وهذا يتطلب سرعة أتخاذ التدابير العاجلة لتوفير احتياجات المستشفيات لتجهيزات غرف العمليات والتوسع فيها ، والعنايات وما يلزمها من تجهيزات ومضاعفة سعتها ، مع سرعة توفير  الأدوية والمستلزمات ومشغلات المعامل وأقسام الاشعة ، والدم ومشتقاته ، والمعدات الطبية والأكسجين والمولدات الكهربائية ،

وسيارات الإسعاف والإخلاء الطبي، والمستشفيات الميدانية، مع ضرورة الاستمرارية في تقديم الخدمات الطبية الروتينية لمرضى الأورام والقلب والأمراض المزمنة والولادات والحضانات وخدمات الكلى وغيرها من أمراض يعاني منها السكان، والحاجة الماسة لتقديم الدعم بالقوى العاملة الصحية المؤهلة في طب الطوارئ والاسعاف السريع …

وفي الوقت الذي لا نرجوا فيه أن تكون الحروب هي مصدر للابتكارات الطبية ولكن من الدروس التي يجب أن  تتعلمها النظم الصحية هي إعادة  النظر في هياكلها التنظيمية ، والبنى التحتية في السلم والحروب والكوارث ، والقوى العاملة الصحية وأعدادها  وتأهيلها وتخصصاتها وبرامج تدريبها ورفع مستوى الاداء والقدرة على التعامل مع الازمات والكوارث والحروب ، والاهتمام بطب الطوارئ والإسعاف والخدمات الطبية ما قبل المستشفيات والعلاجات المكانية والميدانية  ، والخدمات الصحية التأهيلية والخدمات الطبية ما بعد الخروج من المستشفيات ، وقدرة النظم الصحية على الاستجابة والمرونة والتأقلم مع الاحداث ، والتمويل المستمر والمستقر للنظم الصحية ، ووضع البدائل التمويلية في وقت الحروب والكوارث ، وضرورة وضع تشريعات وقوانين للطوارئ الصحية في الحروب والكوارث والازمات ، وتدريب عموم الناس على العمل التطوعي الصحي والطبي والخدمات المساندة ، والتأهيل الخاص بتطويع الإمكانات المتاحة من مباني وساحات ومواقف للسيارات فوق الارض وتحتها ، وتأمين المستشفيات والمرافق الصحية وسيارات الاسعاف والطوارئ والإخلاء الطبي ونقل الأدوية والمستلزمات والتموين ، والعاملين الصحيين بالتمييز بالإشارات الخاصة والعاكسة والألوان المخصصة للاستخدامات الصحية على المباني ووسائل النقل والعاملين ، وتأمين وسائل اتصالات بديلة وربط جميع المستشفيات والمرافق الصحية وخدمات الاسعاف والانقاذ والطوارئ بمنظومة موحدة ،

وضرورة التأهيل على إدارة الازمات ووضع الإستراتيجيات والخطط والبرامج الكفيلة بتأمين الخدمات الصحية الشاملة في الحروب والكوارث والازمات.

وعلى الدول العربية سرعة العمل على تأسس طب الطوارئ معزز بجميع الإمكانيات المطلوبة لإتاحتها لأي دولة عربية تتعرض لحروب وكوارث طبيعية وأزمات صحية. ونرجوا سرعة التنادي لتقديم كل الدعم والمساندة الطبية والتموينية العاجلة للشعب الفلسطيني وللقطاع الصحي بدولة فلسطين العزيزة الغالية حفظها الله،

عضو المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية

عضو اللجنة الفنية الاستشارية لمجلس وزراء الصحة العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى