كتاب الرائ

  رعاة البقر وحاملات الإبل

فيصل الهمالي

دبابيس

اشتهر الامريكيون برعي البقر كما اشتهروا بتصنيع حاملات الطائرات والتقنيات العسكرية المتطورة ، التي جعلت كل دول العالم تهابها وتخشاها حد الانصياع ، كما اشتهر العرب في الثرثرة عن قوة تلك التقنيات تارة ، وشتم الامريكيين بوصفهم رعاة بقر، أو شعب هجين فوضوي تارة اخرى ، فيما ترفع اخرون عن ذلك ، وتفرغوا  لدراسة سلالات الإبل و وصف جمالها شعراً ونثرا.

لم يكتب في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، أن شوهدت قطعان الابقار تتجول بكل اريحية في شوارعها الرئيسية ، حتى في ساعات الليل المتأخرة ، التي تخلوا فيها الشوارع من البشر ومن الحركة المرورية ، وهو أمر بعيد الاحتمال في المدن الامريكية الحية ، الا انها لم تسجل حتى في الريفية منها والتي اشتهرت بكثرة مراعي الأبقار .

ذاك الشعب الفوضوي لم يبرع فقط في الصناعة والعمران والتقنيات والتسليح وعلوم الفضاء، بل حرص على تنمية انتاج ثرواتهم الزراعية والحيوانية ايضاً ، محافظين على حرفة الاباء المؤسسين حتى صارت الولايات المتحدة الامريكية أول دولة في العالم في انتاج وتصدير الأبقار واللحوم ومشتقاتها ، و بلغ حجم صادراتها من لحوم البقر 19.6% من اجمالي الانتاج العالمي ، ناهيك عن انتاجها من الدواجن ومشتقاتها وحجم صادراتها منه الى مختلف دول العالم وعلى رأسها اوروبا .

في ليبيا والبلاد العربية بشكل عام نتباهى ونتفاخر بعدد رؤوس الإبل وبقية المواشي التي استهلكت على موائد افراح عائلة فلان ، ونتحدث ربما لأسابيع عن طعم ذلك اللحم ” على مفاصله” وكرم صاحب الوليمة الذي لم يذخر جهداً لإطعام الفقراء والمساكين طيلة اسبوع الفرح .

الثروة الحيوانية في ليبيا وجدت لتلتهم فقط ، حتى بات السكين يطال صغار المواشي قبل كبارها ولا مجال للتكاثر والتطوير ، ولم يعد فيها لا مراعي ولا رعيان ، ولم يبقى سوى تاجر يشتري من هذا ليبيع لذاك ، حتى يشتد عوده فيدخل مجال الاستيراد بكميات ضخمة ، فلم التعب والمشقة في التربية والرعي طالما المكسب مضمون والتكلفة اقل بكثير و”جيبوتي ليست بعيدة “.

وبما أن “المكسب والخسارة” من اوليات التاجر ، فمن الطبيعي ان يحاول بقدر الامكان الالتفاف على المصاريف ليزيد من احتمال المكسب ، ما أوصل ببعضهم سامحهم الله الى حد الاستهتار والضرب بالقوانين والاعراف عرض الحائط ان وجدوا لذلك من سبيل ، فباتت كل السبل متوفرة حتى في طرق نقل الإبل  ، حيث ان الرقيب أمسى يخلد الى فراشه مبكراً حفاظاً على صلاة الفجر، فيما تنعم قطعان الإبل بممارسة رياضة المشي ، وسط اكبر شوارع العاصمة ، ليتنعم راعيها بتوفير تكاليف نقلها مسافة اربعون كيلومتر غرباً .

في ليبيا فشلنا في الحفاظ على ثروتنا الحيوانية وتطوير انتاجها ، بشكل يؤهلنا لأن نكون بلداً مصدراً ينافس الدول الرائدة في هذا المجال ، رغم انها  ليست بأفضل حال منا من حيث الظروف المناخية والمساحات الرعوية وغيرها من الاحتياجات ، إلا أنها نجحت في تطوير انتاجها و صارت قبلة المستوردين من تجار مختلف دول العالم ومن ضمنها ليبيا  ، ولكننا بالمقابل لم نفشل ابداً في اختيار الطريق الاسهل والاقصر لتحصيل المكاسب المادية الخاصة ، ولتذهب الثروة الحيوانية الوطنية والصالح العام إلى الجحيم ، واخفقنا في أن نكون حتى “مجرد رعاة ” .

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى