كتاب الرائ

حلقة مفاتيح –   أطفال الحرب                           

مفتاحالعمّاري -

حلقة مفاتيح                                                 

   مفتاحالعمّاري                                                                                                   

أطفال الحرب

أجل أعني أطفال الحرب لا الحب. الحرب التي مهما كانت نزيهة وعادلة وذات أهداف سامية، لكنها حين تتخذ من المدن جبهات قتال، وتخوض اشتباكاتها داخل الأحياء السكنية؛ حتما ستكون وحشا أعمى، أهدافها عشواء ونيرانها طائشة؛ لأن المدنيين الأبرياء ولاسيما الأطفال منهم، هم وحدهم من سيغلبون على أمرهم عندما يتعذر تأمين ممرات آمنة للعوائل.

خلال هكذا صنف وحشي من القتال سيكابد الأطفال معاناة الترويع والخوف، باعتبارهم الفئة الأكثر تضررا وأذى؛ ولعل أطفال ليبيا طيلة ثماني سنوات توغلت خلالها النزاعات المسلحة بين المتحاربين في أكثر المناطق السكنية كثافة واكتظاظا، من مصراته إلى طرابلس وبنغازي وسرت، مرورا بدرنة والزاوية وسبها، عايشوا درجات عالية من العنف المسلح، هي أكثر تعقيدا من أن تستوعبها أذهانهم وتتفهمها عقولهم الصغيرة.

إذا لا ريب أن أطفال هكذا مدن منكوبة هم الضحايا الأكثر تضررا وأذى، بوصفهم الحلقة الأضعف في أتون الحرب وجحيمها. ونحن طيلة هذه المدة، لم نفكر جديا في إيجاد السبل الكفيلة لتجنيب أطفالنا مشاهد العنف المسلح، ومضاعفاتها المعنوية وأمراضها النفسية. فأطفالنا الذين كانوا بعمر العاشرة خلال سنة 2011 هاهم قد أضحوا في مقتبل الشباب، ولعل آفات الحرب وأوبئتها تتجلى بوضوح في سلوكهم وثقافتهم، طالما قد تربوا على مظاهر القتل والكراهة وتداعيات الفوضى التي لا تكف عن تقويض ما تبقى من أحلامهم الصغيرة.

كثيرة هي الشواهد التي يتحول فيها الضحايا إلى مجرمين. طالما ليس في وسع الحرب سوى إضافة المزيد من الموت والخراب والتشوهات البشرية. في رواية (الدفتر الكبير) للكاتبة: أغوتا كريستوف، يتحول الأطفال تحت ضغوط الحرب إلى قتلة؛ حيث لن يتورع طفلان توأمان، لم يبلغا سن المراهقة بعد، عن ارتكاب أبشع الجرائم، ليمسيا محض وحشين صغيرين؛ لأن أول شيء يمكن للحرب أن تفعله، هو إعادة  تدوير نفسها لحظة أن يتماهى الصغار بثقافة عنفها التي شوهت سلوكهم، لتنقلب الكائنات البريئة إلى وحش كاسر، من ضحية إلى مجرم.

هذا ما يحدث؛ طالما الحرب، لا تزال تفرض جنونا يتعاظم، وتقترح المدن ساحات قتال. ولهذا: مهما بلغت عظمة انتصاراتنا لصالح مبادئ مقدسة وقيم سامية؛ فأن خسارتنا ستكون جد فادحة، عندما ندخل المستقبل بأجيال معاقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى