كتاب الرائ

تكريم ع الماشي –

فيحاء العاقب -

تكريم ع الماشي

فيحاء العاقب

أن تكرم شخصا يعني انك تمنحه تقديراً منقطع النظير، وانك تقدم له الحب عقدا، وتنثر عليه أمطار الشكر لانه منحك ثمار جهده، بعد ان تفانى في تقديمها بأحلى حلة. ففي كل ضروب الحياة هناك مبدع، تميز في مكانه، وقدم نفسه بطريقة متفردة، واجتهد حتى صار رمزا يستحق ان يُنحت له تمثال. ولكن للاسف ما تشهده الساحة اليوم من استخفاف فيما يخص قيمة التكريم والتقليل من شأن المُكرمين عن طريق انتهاج سبل مستفزة، أمر مؤسف حد التقزز من عقول جوفاء لا تعرف قيمة مميزيها ولا كيف تمنحهم حقهم في عطاء تسرسب كما نهر لا يعرف للجفاف طريق.

مشهد (1) كاتب صحفي انكب على الورق لأعوام ينقش الكلمات بطريقة نقاش شاطر، يهتم بأدق التفاصيل، حتى أُرهق نظره، ومل من كثرة التحديق، فطلّقه البصر، ليتركه وحيدا يستند على عينين اضافيتين زجاجيتين، يسكنان اطارا، ويرفضهما الجسد لأنهما ليستا من تكوينه، فتجلسان متكأتان على انفه، كدكتاتور يرفضه شعبه. هذا الرجل كان يجب ان يُكرم اجمل تكريم، ولكن للأسف وسط سلسلة من الاسماء المتراصة تحت بعضها البعض، وضمن قائمة سُلّمت لمقدم برنامج يتأتئ ويتلكأ في القراءة، جاء اسمه، وقد كُتب بقلم جف حبره، لا يشبه اطلاقا القلم الذي كان يتفنن عبره بكتابة المعلومات بمنتهى الاناقة والجمال. صعد الرجل الى المنصة وسط تصفيق لا يكاد يسمع من كثر الضجيج والأحاديث الجانبية، بين حضور جاؤوا فقط من اجل (البوفيه). صعد ليستلم تكريمه اتجاه عطاء وارف، وبابتسامة عريضة وسعادة ينظر الى اسمه في شهادة التقدير، ليجده قد كُتب خطأ، فيهبط من المنصة يجر اذيال الخيبة.

مشهد (2) رياضي شارك في مسابقة على مستوى عالمي، حاز على ترتيب متقدم، اشعره بالفخر الكبير، هذا الرياضي رفع علم بلاده عاليا، يرفرف، ومع حركته يُحدث ايقاعا ترقص معه قلوب المشجعين من ابناء وطنه الذين تابعوه لحظة بلحظة، وسط تشنج وقلق. عاد الى وطنه، حيث تم استقباله في المطار استقبال الملوك، وَعدَه عدد من المسؤولين بأن تُقام له احتفالية يُكرم فيها، انتظر اليوم الاول..الثاني..الثالث.. العاشر ليتصل به مدير مكتب المسؤول بأنهم قد احالوا اوراق الميزانية الخاصة بالاحتفالية للجهات العليا، ولكن الرقم كبير، وسيكتفون بحفل متواضع، كتكريم، بدعوى ان الدعم المعنوي اهم من المادي، حضر اللاعب يوم التكريم وغاب المسؤول الذي سافر مع اسرته الى فيينا لقضاء عطلة رأس السنة على نفقة الدولة.

مشهد (3) شرطي مرور افنى حياته واقفا يتلحف السماء، بشمسها الحارقة صيفا، وامطارها التي تتساقط عليه وعلى الارض دون هوادة، راسمة على ملابسه لوحة تحمل قصة كفاح. قرر قسم الشرطة الذي يعمل فيه، ان يكافئه، اعدوا العدة، وجهزوا كل شيء. كان الشرطي سعيد لدرجة الجنون، فهناك من قدر تعبه ومجهوده، فهو مثال للرجل القدوة، حيث ستتباهى عائلته به، وسيكون مثالا يشارُ اليه بالبنان. دعى الشرطي كل افراد اسرته واصدقائه، واتجهوا الى مكان التكريم ليشهدوا حدثا تاريخيا طال انتظاره، وعندما بدأت المراسم تم تكريم عدد من المسؤولين، وبقي الشرطي حتى نهاية الحفل ينتظر اسمه الى ان صارت القاعة شبه فارغة، فقد غادر المسؤولون وحاشيتهم، محملين بالشهادات والادرع والقلائد، ومنح الشرطي شهادة تقدير كُتب عليها. ( الى كل شرطي مرور .. تفانى في عمله..

نمنحكم هذه الشهادة.. كشكر وعرفان على عطائكم طوال هذه السنوات). مثل هذه القصص التي رويناها الكثير، في زمن صار فيه التكريم تحصيل حاصل، وصار فيه التأبين تأدية واجب ثقيلة على النفس، والمحافل التي تقام من أجل (الشو) الاعلامي ليس الا، او من اجل ايتخراج ميزانية ضخمة تمتلئ بها جيوب القائمين على الفعالية. فكم من مميز خرج من مكان الاحتفال يجر اذيال الخيبة، مكسورا مهزوما من تهميش مورس عليه في يوم عيده، فرجاءا رفقا بقلوب هؤلاء فإما ان تكرموهم بما يليق بهم، او اتركوهم يتلذذون بما قدموا عندما يروون قصص كفاحهم على احفادهم في ركن قصي من بيت عتيق. . .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى