كتاب الرائ

العاطفة في صراع أبدي ضد العقل

كــــــــــاتب وكتــــــــــاب

العاطفة في صراع أبدي ضد العقل
■ عبدالله مونى

فى هذا العدد من سلسلة كاتب وكتاب نتناول دراسة وتحليل وتلخيص لكتاب يعتبر من الكتب الفريدة والمهمة جدا فى الوقت الذي نشر فيه .
كتاب ( سيكولوجيةالجماهير ) للكاتب والمؤرخ الفرنسى جوستاف لوبون الذى كتب فى علم الآثار وعلم الانثربولوجيا واهتم بعلم الحضارات وهو من أوائل المؤرخين الذين اعترفوا بفضل الحضارة الاسلامية على العالم الغربى .
قام بدراسة شاملةعن الجماعات وطبيعتها وكيفية توجيهها من قبل السلطة , سواء كانت سلطة اعلامية اوسياسية اواجتماعية ويعتبر كتابه هذا الأسبق فى دراسة علم النفس بطريقة تحليلية من منظور اجتماعى , حيت لم يقتصر على دراسة سلوك الفرد ومشكلاتة ورغباته كعلم التحليل النفسى بل تعداه بتتبع وتحليل حركة الفرد بانخراطه واندماجه فى جمهور , وبذلك سمى علم النفس الاجتماعي .
والفكرة الرئيسةالتى بنى عليها لوبون كتابه ان الفرد ما ان ينخرط فى جمهور حتى تتغير سيكولوجيته الفرديه ويدخل فى السيكولوجية الجمعية ( سيكولوجية الجماهير) فيتخد سمات اخرى لم تكن موجودة فيه او يمكن ان نقول انها كانت موجودة فية ولكن لم يكن يجرؤ على البوح بها او التعبير عنها بمتل هذه القوة والصراحة
والجماهير مجنونة بطبعها ,تصفق بحماس لفريق القدم الذى تؤيده أو المطرب المفضل لديها فتعيش لحظة انفلات وهلوسة وجنون , والجماهير المهتاجةالتى تنقض على شخص ما وتفتك به دون التأكد من أنه هو المذنب , هى مجنونة , فإذا ما أحبت ديناً او رجلا ما تبعته حتى الموت , كما يفعل اليهود مع نبيهم والمسيحيون وراء رهبانهم والمسلمون وراء شيوخهم , والجماهير اليوم تحرق ما كانت تعبده بالامس وتغير افكارها كما تغير ملابسها .
وكما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسى او الطبيب الذى يتمكن من أن يجعل شخص ما يغرق فى نوم عميق , فإن روح الجماهير تخضع لتحريض وإيعاز القادة والمحركين الذين يعرفون كيف بفرضون إرادتهم على الجماهير المستلبة الإرادة, وفى متل هذه الحالة , فإن أي شخص منخرط فى الجمهور , يصبح مستعداً لتنفيذ الأعمال الاستتنائية التى ما كان مستعداً اطلاقا لتنفيذها لو كان فى حالته الفردية الواعيه
يرى «لوبون» بأن الجماهير ليست مجرمة, وليست فاضلة , وإنما هي قد تكون مجرمة ومدمرة أحياناً, وقد تكون أحياناً أخرى كريمة وبطلة وتضحي بدون مصلحة.
وبالتالي فالفكرة الشائعة عن الجماهير بأنها فقط مدمرة وتحب السلب والنهب والشغب هي فكرة خاطئة
أن الطبقة الحاكمة والمسيطرة تخاف من الجماهير وأفعالها لقدرتهم على تغيير الأحداث فهم قادرون على الهدم والتدمير وكذلك البناء والنهضة. وإنه من الممكن امتلاك جمهور من البشر وإن لم يكونوا فى مكان واحد عن طريق زرع فكرة معينة فى افراد ذلك الجمهور وعنذئذ تختلف الشخصية الواعية للأفراد وتظهر خصائص جديدة توجه جميع أفراد الجمهور فى اتجاه معين
إن الدعاية ذات أساس لا عقلاني يتمثل بالعقائد الإيمانية الجماعية, ولها أداة للعمل تتمثل بالتحريض من قريب أو بعيد (أي بالعدوى), ومعظم أعمالنا ناتجة عن هذه الدعاية.
إنه عندما يمتلك الجمهور فكرة معينة يتزود بروح جماعية هذه الروح تجعلهم يحسون ويفكرون ويتحركون بكيفية مختلفة تماما عن الكيفية التى كان سيفكر بها كل فرد منهم لو كان معزولا
إنه لا توجد الجماهير من دون قائد, والعكس صحيح أيضاً, إذ لا يوجد قائد من دون جماهير.
يرى «غوستاف لوبون» إن الجماهير مستعدة دائماً للتمرد على السلطة الضعيفة, فإنها لا تحني رأسها بخنوع إلا للسلطة القوية, وإذا كانت هيبة السلطة متناوبة أو متقطعة فإن الجماهير تعود إلى طباعها المتطرفة, وتنتقل من الفوضى إلى العبودية, ومن العبودية إلى الفوضى.
وأن الاستبداد والتعصب يشكلان بالنسبة للجماهير عواطف واضحة جداً, وهي تحتملها بنفس السهولة التي تمارسها, فهي تحترم القوة ولا تميل إلى احترام الطيبة التي تعتبرها شكلاً من أشكال الضعف.
وما كانت عواطفها متجهة أبداً نحو الزعماء الرحيمين والطيبي القلب, وإنما نحو المستبدين الذين سيطروا عليها بقوة وبأس, وإذا كانت تدعس بأقدامها الدكتاتور المخلوع فذلك لأنه قد فقد قوته ودخل بالتالي في خانة المحتقرين وغير المهابين.
يرى أيضا أنه غالبا مايكون الدافع لتحرك الجمهور دافع دينى وذلك ما يفسر تعصب الجماهير واعتناقها للافكار على انها حقائق مطلقة لا تقبل التشكيك لذلك فان تحريك الجمهور لا يكون إلاعن طريق التحريض ولا يكون عن طريق تشغيل العقل وإذا كان الفرد يقبل الاعتراض والمناقشة فإن الجمهور لايحتملها أبدا (إذا أردنا اقناع شخص بفكرة ما فعلينا ألا نقنعه وسط حشد معارض لتلك الفكرة لأن ذلك يجعله يتجه للعنف وينبذ المحاكمة العقلانية )
الجمهور مثل الشخص المنوم مغناطيسيا يحركه قائد فإذا ما أردت توجيه الجمهور إلى البناء والإعمار فعليك أن تزوده بقائد صالح ,فطن,مؤمن بالفكرة التى تريد توجيه الجمهور إليها حتى يستطيع تحريك ذلك الجمهور وشحنه لتلك الفكرة.
خاتمة ((حققت نظريات غوستاف المتعلقة بسلوك الجماهير , وسيكولوجية العقل الجمعى , نجاحا باهرا فى مجال علم النفس الاجتماعى , ولا تزال حتى يومنا هذا مرجعاً اساسياً لعلماء علم النفس والاجتماع وصناع القرار , وكل الباحثين فى سبل التأتير على الجماعة , توجية وتغفيل وتغييب ))
يقع الكتاب فى 228 صفحة ترجمه للغة العربية بحرفية مذهلة هاشم صالح طبع سنة 1991م. ننصح بقراءته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى