كتاب الرائ

التمريض في عيده

التمريض في عيده
للتمريض دور عظيم في تاريخ البشرية ، وأقدم من الطب ، وكان يقوم بالخدمات الاجتماعية ، وبحماية الأسرة ورعايتها وبالأخص رعاية الأم صحيا لأولادها وعائلتها ، وبالفطرة والغريزة مساعدة النساء لبعضهن في رعاية الحمل والولادة والنفاس ، وإن أحتاجت لما بعد الولادة والرضاعة إن جف الحليب أو قل في إحداهن ، وفي كل الحضارات الإنسانية كان للتمريض دور عظيم في رعاية المرضى وكبار السن واليتامى والمعاقين ، وعلى سبيل المثال في اليونانية توفرت الرعاية داخل الأسرة بشكل رئيسي من قِبل أفراد الأسرة والخدم والعبيد ، وكذلك كانت في الإمبراطورية البيزنطية ، وفي الحروب يقوم عموم الناس والنبلاء والبارعين في فنون العلاج بتقديم الخدمات التمريضية ، وهكذا كانت في شبه القارة الهندية من القدم ، ووضعت للممارسة قواعد وضوابط أساسية تضبط المهنة ، ومنها حسن الخُلق والطباع والمهارة في العمل ، والثقة والنظافة وتقصير الاظافر ، وكان حينها معظمهم رجال أو النساء كبار السن ، وكان للإسلام الريادة في تقديم الخدمات الصحية التمريضية ، وتطوعت الصحابيات في الحروب لخدمة المصابين ، وأول أمرأة في الإسلام تطوعت لعلاج الجرحى والمصابين هي رفيدة بنت سعد المعروفة برفيدة الأسلمية ، وكان والدها طبيب تعلمت على يديه وكانت تساعده في عمله ، واقامت أول خيمة طبية لعلاج الجرحى والمرضى وتدريب النساء على المداواة وتضميد الجراح وجبر الكسور ، وكان لها دور عظيم في مساعدة الأيتام والمعاقين ، وصاغت أول مدونة للأخلاقيات التمريضية ،
وفي ليبيا كغيرها مرت بحقب متعددة من الحضارات ، وكان لها ما لهم وتراجعت الخدمات التمريضية في العهد العثماني وحتى من تم نقلهم الى الأستانة وتم تدريبهم على مهارات التمريض والمدواة نقلوا إلى مواطن أخرى في بلاد بعيدة ، ومع نهاية العهد العثماني التاني كثرت العيادات والمستشفيات الأجنبية ، وأنتشرت من درنة الى زوارة ومرزق بإدارة وتشغيل راهبات ورهبان ومجموعات تبشيرية ، وأستطاع بعض الليبين تعلم مهنة التمريض وزادت اعداد المنخرطين في فترة الاستعمار الايطالي ، وكان عدد الرجال على قلتهم أكثر من النساء ، وتعلموا اللغة الايطالية والمصطلحات الطبية ومنهم من برع في القراءة والكتابة وممارسة مهنة التمريض ، وأخذوا على عاتقهم تقديم الخدمات الصحية في المدن والقرى والنجوع التي كُلفوا بخدمتها ، وكانوا قمة في العطاء والإيثار والإنسانية ، وكانوا نموذج حضاري متميز في المجتمعات التي يعيشون فيها ، ويقومون بالتوعية والإرشاد والتوجيه الصحي ، وتقديم الخدمات الصحية لمستحقيها في المستوصفات البسيطة في أحجامها وإمكانياتها ، والكبيرة في مستوى الخدمات والنظافة والعناية والاهتمام ، وكانوا لا يترددوا في الذهاب لبيوت المرضى وتقديم المساعدة لهم مهما كانت المسافات وفي كل الأوقات ولا يكثرتون للمصاعب والمشاق ويذهبون راجلا أو على دراجات ، أو دواب أو عربات مجرورة بالدواب ، وكانوا مثال يحتذى به في تقديم الخدمات الصحية وإحالة من يستحق إلى مستشفى المدينة الوحيد ، والحرص على متابعة مرضاهم المحالين للمستشفى المركزي ، وعند خروجهم يظلوا على الدوام متابعين لهم حتى الشفاء ، وبهذه المناسبة اود ذكر بعضهم من كانوا قدوة لي ، وكانوا عظام في الرسالة الإنسانية النبيلة الطاهرة ، ومنهم الفاضل العزيز الحاج ميلاد ملاطم والفاضلة العزيزة زوجته الحاجة الحاكمة رحمهما الله ، وكنا نناديهم بالأطباء لأنهم كانوا كذلك فعلا ، وعند الحضور إليهم والوصول لهم تنزل على المريض وأهله السكينة والطمانينة والأمان والراحة لأنهم يعلمون أنهم بأيدي أمينة طاهرة شريفة ، بارعين فيما يقدموه من إتقان ومعرفة وخبرة بمظلة إنسانية عاطفية أبوية نفتقدها اليوم ، وكانوا جزءا أصيل في كل الحراك والنشاط الاجتماعي يشاركون الناس أفراحهم ويواسونهم في أتراحهم ، وكانوا مثال للحكمة والرقي والثقافة في كل شئ في حياتهم ، وساعدوا الكثير من الجنسين من أبناء المجتمعات التي عاشوا بينها في إقناعهم بالانخراط في التمريض وعلموهم ودربوهم وأشرفوا عليهم حتى إشتد عودهم وصاروا سند وعون لأهلهم ومجتمعهم في أشرف رسالة إنسانية عرفتها البشرية ، ولا أضن أن أحد من عاش معهم ومع مثلهم في كل الربوع ينسى فضائلهم وخدماتهم الجليلة التي أنقذت الكثير من الناس ، ومع نهاية سبعينات القرن الماضي أنشئت معاهد التمريض وأنتشرت ، وزاد القبول من الجنسين حتى صارت الأعداد تلامس المؤاشرات الدولية ، وكانت هناك خطة للتجسير والاكتفاء بالتعليم العالي بمعاهد عليا وكليات تمريض ملحقة بمستشفيات تعليمية ومرافق محاكاة علمية وبحوث تمريضية ، والتوسع في التخصصات التمريضية المختلفة ، والتطور مع الحداثة التقنية والتكنولوجية الطبية لأن التمريض يقوم بأكثر من 80% من الخدمات الصحية في جميع المستويات من الخدمات الاستباقية والوقائية والرعاية الصحية الاولية الى الخدمات الاستشفائية والتأهيلية ، وهم الملاصقين للمرضى على مدار الساعة ، والمسؤولين على الإستقبال والتنويم بالأقسام والفحوصات وتجهيزات الغرف والأسرة وتحضير الأدوية واعطائها ، وتدوين كل ما يتم أو مطلوب للمريض بالتفصيل ، ومتابعة الأجهزة الطبية المتصلة بالمرضى والمحمولة عليهم ، وهم المسؤولون على تحضير غرف العمليات والمعدات والتجهيزات والمستلزمات ، وإدخال المرضى ومساعدة الجراحين وأطباء التداخلات الأخرى المتعددة في جميع العيادات والأقسام التشخيصية والعلاجية وهم من يقوم بإعادة التنظيم والترتيب والتعقيم لكل شئ وفق المعايير المعمول بها ، وهم المسؤولون على الغذاء وأنواعه وأصنافه وكمياته وأوقاته وأمانه وسلامته لكل مريض ، والمسؤول على أخد العينات والحقن الوريدية ، والتنسيق التام للمريض ولكل ما يخصه والتنسيق مع جميع الأقسام والوحدات والأنشطة بالمرفق الصحي ، والتمريض له هيكيلياته التنظيمية فيما بينه وبين الادارات والهياكل التنظيمية الإدارية والمالية والفنية من أعلى الهرم الاداري في القطاع الصحي إلى أصغر وحدة أو عيادة ، والتمريض مسؤول عن تطبيق معايير جودة الخدمات الصحية ومعايير مكافحة العدوى وسلامة المرضى ، ومشارك في جميع اللجان المنوطة بكل المهام الطبية والصحية ، والشريك الرئيسي والأساسي في وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط والبرامج الخاصة بالنظام الصحي للدولة ، ولم يعد مقبول تهميش دور التمريض أو الاستمرار بالاعتماد على تمريض غير مؤهل تأهيل عالي ومتخصص ، وما هو متاح الآن يجب إعادة النظر فيه والعمل الجاد على تطويره ورفع كفاءته ، والطب يقفز قفزات نوعية وعلمية وتقنية وتكنولوجية كبيرة ، يحتاج لقدرات أعلى بكثير لتتماشى مع ما وصلت إليه العلوم الطبية الحديثة والتطور الإداري والفني والتكنولوجي.. ،
في عيد التمريض يجب العمل على زيادة الاهتمام بهم وتسوية أوضاعهم الإدارية والمالية والفنية ، وسرعة إعادة التقييم الفني والخبرة ووضع برامج علمية مكثفة ومتقدمة مع تدريب سريري راقي بالتعاون مع كليات التمريض العربية والأجنبية المشهود لها ، وأن لا يُسمح لأي من كان أن يكون له علاقة بأي خدمة طبية وصحبه لأي إنسان ما لم يكن مجاز لها ومؤهل تأهيل عالي ومعتمد ، وأن يكون ملم بما يقوم به علمًا ومعرفة وخبرة وشهادة عليا .
كل عام وملائكة الرحمة ببلادنا والعالم أجمع بخير
د. علي المبروك ابوقرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى