الاستقلال بين الأمس واليوم

د.علي المبروك أبوقرين
في الرابع والعشرين من ديسمبر عام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين خرجت ليبيا إلى العالم دولة مستقلة بعد نصف قرن من استعمار إيطالي دموي خلف أرض منهكة وإنسان مكسور ، ثم إدارة بريطانية أعقبت حرب عالمية لم تترك في البلاد سوى الفقر والخراب ونالت ليبيا استقلالها وهي مجزأة إلى ثلاث ولايات متباعدة ضعيفة الإمكانات شحيحة الموارد تعيش ظروف معيشية قاسية انعكست مباشرة على حياة الناس فلم يكن هناك نظام صحي حقيقي ولا تعليم منظم ولا فرص عمل كافية فانتشرت الأمراض المعدية والوبائية وارتفعت معدلات وفيات الأمهات والأطفال وتفشت الأمية والبطالة وكان المرض والفقر وجهين لعملة واحدة ، كان الاستقلال حينها بداية أمل أكثر منه نهاية معاناة وبداية مشروع دولة أكثر منه دولة مكتملة وقد أدرك الآباء الأوائل أن الإنسان المريض الجاهل الفقير لا يمكن أن يبني وطن وأن الصحة والتعليم هما شرط الوجود قبل أن يكونا خدمة من خدمات الدولة ، واليوم وبعد أكثر من سبعين عام تعود الأسئلة نفسها في سياق أكثر خطورة فالعالم لم يعد كما كان الاقتصاد يتغير بعنف والعلم يقفز قفزات هائلة والتقنية تعيد تشكيل الحياة والمناخ يضرب بقسوة والأوبئة والكوارث والصراعات لم تعد احتمالات بعيدة بل واقع متكرر وفي هذا العالم المتسارع تقف ليبيا مرة أخرى على حافة مفصل تاريخي خطير ، إن انهيار النظام الصحي وتراجع التعليم الطبي واتساع الفقر وعودة الأمراض واستنزاف الإنسان ليست مجرد أزمات قطاعية بل مؤشرات على إمكانية تكرار شروط ما قبل الدولة في زمن لا يرحم المتأخرين ولا ينتظر المترددين فإذا كان الفقر والمرض قد فُرضا على ليبيا في منتصف القرن الماضي بفعل الاستعمار وشح الموارد فإن الخطر اليوم أشد لأن التراجع أصبح ذاتيًا وصنعته الانقسامات وسوء الإدارة وغياب الرؤية ، إن ذكرى الاستقلال ليست احتفال بالماضي بل اختبار للحاضر وتحذير للمستقبل إما أن نستعيد معنى الدولة من بوابة صحة الإنسان وكرامته وتعليمه وأمنه الاجتماعي أو نسمح للتاريخ أن يعيد نفسه في نسخة أكثر قسوة في عالم لا مكان فيه للضعفاء ، في هذا اليوم لا نسأل ماذا كان الاستقلال بل نسأل ، هل ما زلنا جديرين به؟





