التصنيفات: كتاب الرائ

” صفر واحد ” والمكان المعلوم

فيصل الهمالي

دبابيس

أكثر من ثمان سنوات عانتها العاصمة وعموم مدن ليبيا ، من عدم تواجد حقيقي وفعال لشرطي المرور ، مؤدياً لمهامه المنوطة به على أكمل وجه ولا يخفى على أحد السبب الرئيسي الذي كان وراء هذا الغياب ، الذي صار يختفي تدريجياً منذ وقت قصير، بفضل الله وهمة الغيورين ، حتى استعاد رجل المرور بعضاً من هيبته ، وانتزع مكانه الطبيعي من جديد ، معتزاً بنفسه رافعاً رأسه ، بعد أن استرجع القطاع برمته جزءً من مكانته بين مؤسسات الدولة المُغيبة قسراً في وقت مضى .

و اليوم صار تواجد شرطي المرور مكثفاً منذ ساعات الصباح الأولى ، ما يمنح المواطن شعوراً بالارتياح وهامشاً واسعاً من الثقة بأن كل أعماله ستنجز في وقتها ، دون  أن يتعرض لذلك التوتر والقلق والعصبية بسبب المختنقات المرورية التي قد تضرب كل مصالحه الملحة أو المستعجلة عرض الحائط .

ومن الواضح جداً أن قطاع شرطة المرور قد حظي بالكثير من الدعم والاهتمام من وزارة الداخلية مؤخراً ، كما أنه قد تمكن من اعادة أغلب عناصره إلى العمل ، فضلاً عن ضخ دماء جديدة إلى أوردته التي كادت أن تصاب بالتجلط ، تمثلت في انخراط عناصر مستجدة نراهم بين الحين والأخر يؤدون عملهم بنشاط  في مختلف الشوارع الحيوية في العاصمة ، وهذا في تقديري أمراً ايجابياً .

ولكن .. كل تلك الثقة والشعور بالارتياح والامتنان لهذا التواجد المكثف لشرطي المرور ، قد ينقلب إلى حالة من الإحباط تقود إلى توتر واضطراب نفسي لدى السائق ، فور وقوعه اسيراً لاكتظاظ مروري وشلل في حركة السير من كل الاتجاهات ، ما يجعل مصالحه وأعماله التي لم ينجز منها شيء حتى تلك اللحظة عرضة للتهديد والفشل ، فكل هذا الانتشار لرجال المرور إن لم يكن مصحوباً بإدارة مهنية منضبطة ، تتمتع بالمقدرة والكفاءة وحسن التدبير ، سيكون عبثياً لا جدوى من وراءه ولا فائدة .

فسوء توزيع عناصر شرطة المرور على الشوارع الحيوية والتقاطعات الرئيسية ذات الكثافة المرورية طوال النهار يجعل من مجهودات القطاع وعناصره عبثية لا تحقق الغاية المرجوة منها ، فمن غير المنطقي أن يتركز أكثر من خمس عناصر في تقاطع بينما تخلو التقاطعات التي تليه من أي عنصر ، رغم انها تقع على امتداد شارع واحد يُعد من أكبر شوارع العاصمة وأكثرها ازدحاماً ، يشكل رابطاً أساسياً بين شرق المدينة وغربها ، تتصل به شوارع رئيسية اخرى تربط الشمال بالجنوب ، ما يجعل كل تلك التقاطعات شرايين مهمة تنساب منها مئات السيارات في الدقيقة .

مشهداً أخر يتكرر بصورة يومية على مدار اليوم ، فضلاً عن مشاهد اخرى تبين حالة الضعف الذي تعانيه وحدات المتابعة والانضباط إن وجدت ، تتجلى في تقاعس بعض عناصر المرور وانشغالهم عن تأدية واجبهم في ساعات الذروة إما بتصفح هواتفهم المحمولة ، أو بعقد لقاءات بالزملاء على جنبات الطريق أو في أحدى الزوايا هنا او هناك ، مع ذلك أو تلك ، في حين تتعالى منبهات السيارات المصابة بالشلل ، مستنجدة عبثاً بأولئك العناصر المنهمكين في حديث يبدو أنه على قدر من الأهمية ، قد يتعلق بأخر ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي  ، في حين يجيب احدهم على إشارة لاسلكية من ” الصفر واحد ” بأنه موجود في المكان المعلوم .. أي أنه في الموقع المكلف به يمارس عمله على أكمل وجه ، رفقة الزملاء .

ويظل احترامنا وتقديرنا  لكل شرطي مرور يغادر بيته كل صباح ليكون في موقعه الصحيح ، يؤدي واجبه بكل ضمير ووطنية ليضمن سلاسة الحركة وسهولة التنقل وسيادة القانون على الطرقات العامة ، رغم ما يتعرض له من رعونة وحماقة كثيرين هم في الحقيقة ابرز وأهم اسباب المختنقات المرورية وكل أنواع الأزمات في المجتمع .

 

منشور له صلة

مشاركة ليبية بالمؤتمر العالمي الرابع عشر للرابطة الدولية لقضاة اللاجئين والهجرة في نيروبي

شهدت العاصمة الكينية نيروبي، خلال الفترة من 17 إلى 22 نوفمبر 2025، انعقاد المؤتمر العالمي…

4 أسابيع منذ

الرؤية الصحية الطويلة الأمد

د.علي المبروك أبوقرين هناك لحظة حرجة في تاريخ الأمم تتوقف فيها عقارب الساعة على سؤال…

4 أسابيع منذ

الصحة التعليمية

هناك لحظة خفية تبدأ فيها الحكاية ، لحظة لا يسمعها أحد ، حين تنبض خلية…

شهر واحد منذ

الدور السيادي والنهضوي للقطاع الصحي

إن القطاع الصحي العام ليس مجرد مؤسسات تقدم العلاج أو تُدار بالموازنات السنوية ، بل…

شهر واحد منذ

المؤشرات الصحية

د.علي المبروك أبوقرينإن الأوطان لا تقاس بارتفاع مبانيها ولا بحجم موازناتها ولا بعدد قراراتها ،…

شهر واحد منذ

لماذا إسطنبول؟

جلال عثمان قد يتساءل البعض عن سبب اختيار مكان خارج ليبيا لانعقاد هذا الاجتماع التأسيسي…

شهر واحد منذ