كتاب الرائ

حين تتوفر الإرادة يتحقق المستحيل !!

إدريس أبوالقاسم

حين تتوفر الإرادة يتحقق المستحيل !!

إدريس أبوالقاسم

التجارب الناجحة لبعض المجتمعات التي كانت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية حتى عهد قريب قريبة الشبه من أوضاعنا , بل ربما كانت  أقل منها فيما يخص الموارد أضحت دروس مجانية لمن يرغب في الاستفادة ,  والتأخر في السير على نهجها بشكل أو بآخر لايمكن تبريره ولا يصنف إلا تحت بند قصور المنظومة الاقتصادية ككل ، ومن الأمثلة الحية للنجاح المنبعث من العدم تلك الدولة التي تقع بجنوب شرق آسيا وتتكون من منطقتين يفصل بينهما بحر الصين الجنوبي بمسافة تبلغ 650 كيلو مترا ولا تزيد مساحتها عن  329750 كيلومتر مربع في بيئة تغطي الغابات المطيرة حوالي 50% منها وتضم آلاف الأنواع من النباتات والتنوعات الإحيائية , بتعداد سكاني يفوق الأربعة والعشرين مليون نسمة لاتتجاوز نسبة الحضر منهم  في نهاية القرن الماضي 53 بالمائة .إنها  ” ماليزيا ” الدولة كانت أنموذجا صريحا على القدرة على تسخير الإمكانات المُتاحة لتحقيق إنجازات غير مسبوقة لم يجد الآخرين أمامها بدا من  أن يرفعوا القبعة تقديرا واحتراماً لها وتقديراً لطموحاتها في اللحاق بالكبار في قمة الصناعة ، في وقت عجزت فيه أممٌ أخرى لها إمكانات وموارد لو أحسن توظيفها وتوجيهها الوجهة السليمة لكان لها شأن آخر .

لقد كانت إمكانات وموارد ” ماليزيا ” محدودة لا تتعدى الخشب والأسماك والمطاط , لكنها بفضل الاستراتيجيات التي اتخذتها في مجال التعليم  خلال عقدين من الزمن أو يزيد قليلا هاهي اليوم أضحت إحدى الدول القوية اقتصادياً في جنوب شرق آسيا بل في العالم ، فبعدما كانت تعتمد على المعونات الخارجية بلغ ناتجها القومي في العام 2002 م 210 بليون دولار أمريكي عندما  تحولت من بلد مستهلك إلى بلد منتج يعد من أكبر دول العالم في إنتاج المطاط وزيت النخيل ، مثلما تعتبر رابعة دول العالم في إنتاج الكاكاو مع  محاصيل أخرى مهمة كالأرز المائي  وجوز الهند والفلفل ، وتحولت بالأخشاب ومنتجاتها إلى رائدة المنتجات في المواد الخام غير المعدنية , كما تعد ثالث أكبر دول العالم في إنتاج القصدير ,  ويتسم فيها التصنيع بالنمو السريع ، خصوصا في مجال الإلكترونيات ، واللدائن , والنسيج ، والمطاط، والمنتجات الخشبية ، والكيماويات ، والنفط، والصناعات التي تتطلب تكنولوجيا عالية . كما تعد ثالث أكبر دول العالم في إنتاج القصدير .

لم تهن عزيمة ماليزيا ولم تلتفت إلى الوراء ولم تفكر مرتين في الكيفية التي تصنع بها إنسان الغد , فكرت واستنبطت ورسمت وخططت وعرفت ماذا ينقصا وماذا تريد بالضبط , فمع محو الأمية محت الأمية التقنية لتجعل من الحاسوب لعبة لكل طفل بدلا من استخدامه كوسيلة تعليمية , شجعت المواهب وحفزت القادر على الإضافة , ولم تبخل على شبابها بالفرص التعليمية التطبيقية , مثلما لم تضيع فرصة استثمار الاستثمارات الأجنبية فيها فوظفتها أحسن توظيف ووطنتها مثلما تريد هي وليس كما يريد المستثمر ليظهر بها جيل من التقنيين والعمال المهرة في كافة المجالات حتى باتت تصدر هذه الإمكانيات البشرية إلى الخارج وبامتياز أيضا .

لقد أتيحت لي فرصة زيارة هذا البلد في يوم من الأيام , وهناك رأيت الإبداع البشري المتدفق من نبع حب الوطن وطاعة الرب , وها نحن ننتظر لعل يوما مبهج آخر يحل نرى فيه بلادنا تسير على في نفس الركب وبنفس الرؤى والخطط بلا تردد ولا حسابات معقدة .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى